IMLebanon

التذرّع بالحصانات أكثر إجراماً من النيترات

 

سيُذكر في كتاب التاريخ يوماً أن هناك من كان أكثر إجراماً ودناءة من الذي أتى بنيترات الأمونيوم ومن فجَّره أو تسبّب في تفجيره عن إهمال او تواطؤ أو إخلال بالواجب.

 

وستستعرض أجيال اللبنانيين المقبلة بالصوت والصورة مشاهد وتصريحات مخزية لسياسيين حاولوا قطع الطريق على العدالة فتتساءل باستغراب: كيف قبِل أهلُنا بهؤلاء حكاماً ومسؤولين وكيف تسلّلت هذه المخلوقات الى المؤسسات فاستباحت المال العام والخاص وأوغلت في الفساد، وصولاً الى انتهاك المحرّمات والأرواح ثم منع معاقبة من يستحق القصاص؟

 

سيروي الأبناء للأحفاد، والأحفاد للأبناء، أنّ جمهورية بأمّها وأبيها وقعت فريسة عصابة استولت على سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية وأمنية ومصرفية وكلّ ما يمكن أن يخطر في بال. منظومة لم تكتف بالكسب الحرام بل خطفت دولة وشعباً وتواطأت مع الخارج واعتبرت البلاد أسلاباً منهوبة وحدوداً مخلّعة الأبواب متوسّلة أهدافاً ظاهرها سامِِ ومضمونها سامّ.

 

سيقيم أحفادنا في الوطن والمهجر احتفالات تَذَكُّر ومتاحف يحفظون فيها متعلقات ضحايا “هولوكوست” المنظومة الفاشية، التي لم تكتفِ بإحراق ثلث بيروت بل بذلت أقصى جهودها للإنكار والإفلات من العقاب.

 

سيكون لاجتماع “عين التينة” الأخير فصل مميّز في التاريخ بشخصياته وأطرافه السياسية وأهدافه التي تلخص أكثر من ثلاثين عاماً من سيطرة المنظومة على الحجر والبشر وإيصال اللبنانيين الى الموت والخراب. وسيخجل متابعو ذلك الفصل والباحثون من حفنة نواب أرادوا التصدي للمحقق العدلي عبر حجة الحصانات، تحصيناً للمنظومة ومنعاً لكسر مهابتها وكشف مسار طويل من الارتكابات.

 

لن يُفرد ذاك الفصل سوى جملة واحدة لأهل 8 آذار، مفادها انهم يحلّلون كلّ شيء بما فيه حياة الناس لتحقيق مشروع ايران. لكنه سيذكر بإشفاق ان نواب “المستقبل” تنكّروا لعاصمة انتفضت في 14 شباط رافضة تقييد جريمة اغتيال رفيق الحريري ضد مجهول، وأن نواب “الاشتراكي” فضلوا إحباط وليد جنبلاط على شجاعة كمال جنبلاط، وأن ممثل “العهد” وتياره والعائلة أحلَّ الوقاحة محل الأخلاق متابعاً مسيرة فريقه في التغطية على الجرائم وبيع السيادة والحق مقابلَ الكرسي وغنائم الصفقات.

 

أما لـ”شاعر المنظومة” نائب رئيس مجلس النواب فسيُخصّص فصلٌ فكاهي ينكّه مذكرات “أجمل التاريخ كان غداً”، بشرح فن السفسطة ومهارة لَيْ عنق الحقيقة وتضليل الرأي العام والترويج لغير القناعات ولو على حساب الدماء.

 

لطارق بيطار نقول: نحن معك، واعلم ان جريمة المرفأ لن تمرّ مهما امتلك المجرمون من سلطان. تابع مهمتك بحرفية وضمير. هم حوَّلوا “مدّعى عليهم” قد يكونون أبرياء الى “مجرمين” حتى يثبت العكس، وهم يُفقدون المؤسسة التشريعية قيمتها عبر الاحتيال ويحاولون مجدداً اغتيال التحقيق. أما نحن فمصرّون على قيام الدولة وعصَبُها القضاء، وعلى حقّ أهل الضحايا وكلّ اللبنانيين في الحقيقة والاقتصاص من الجناة.

 

مَن يرفض مثول مَن طلبه القضاء لا يستحق أن يمثّل الناس. هذه رسالتنا المهذبة الى كلّ معني بالحصانات والأذونات، وله ان يفهم من واجب التهذيب ما شاء.