إجتهادات متعدّدة حول الحصانة النيابية وانتهاء عقد مجلس النواب
ما إن أعلنت ولادة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العاشر من شهر أيلول الحالي، حتى بدأ نقاش وجدل قانوني ودستوري، وتنوعت الآراء والإجتهادات حيال ما يمكن أن يُقدم عليه المحقق العدلي في ملف إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار تجاه النواب الوزراء السابقين، علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق بعدما كان سبق وأرسل كتاباً إلى مجلس النواب يطلب فيه رفع الحصانة عنهم.
مردّ هذه الآراء والإجتهادات يعود إلى أنه دستورياً، ومع تشكيل الحكومة الجديدة، تنتهي حالة تصريف الأعمال التي تحكمها الفقرة الثالثة من المادة 69 من الدستور، والتي تنص على أنه “عند إستقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة إنعقاد إستثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة”، وبالتالي، هناك من يرى أنه يمكن للمحقق العدلي التحرر من المسار القانوني الذي تفرضه عليه النصوص الدستورية لرفع الحصانات عن النواب وملاحقتهم سنداً للمواد 89 إلى 98 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
ولا تستبعد مصادر قانونية أن يلجأ المحقق العدلي إلى خطوات مفاجئة ويستغل إنتهاء العقد الإستثنائي لمجلس النواب لملاحقة النواب المعنيين من دون إنتظار إذن رفع الحصانة الوارد في المادتين 39 و40 من الدستور.
وتشير المصادر إلى أن هاتين المادتين حصّنتا النائب من أي دعوى جزائية قد تقام ضدّه “بسبب الآراء والأفكار” التي يبديها خلال نيابته، وبإستثناء حالة الجرم المشهود لا يجوز أثناء دورة الإنعقاد إتخاذ إجراءات جزائية بحق أي نائب عضو من أعضاء المجلس، أو إلقاء القبض عليه إذا إقترف “جرماً جزائياً إلاّ بإذن من المجلس النيابي”.
وهذا يعني، وفق المصادرالقانونية، أنه يمكن للمحقق العدلي إستدعاء النواب طالما أن المجلس النيابي أصبح خارج دورة الإنعقاد حتى أول يوم ثلثاء، يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول المقبل (تاريخ بدء العقد العادي الثاني لمجلس النواب) أي في 19 منه، أي أن هناك مهلة أكثر من شهر أمام المحقق العدلي الذي يبقى الملف بعهدته طالما لم يصدر قرار بشأنه بعد.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن يؤثر هذا الأمر على تحديد موعد جلسة الثقة للحكومة الجديدة طالما أن النص يقول حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة؟ بمعنى أن المهلة تبدأ بالإحتساب منذ نيل الحكومة الجديدة الثقة.
وعطفاً على ما تقدّم، ماذا لو تم فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب في نفس اليوم الذي ستنال فيه الحكومة ثقة مجلس النواب تحت عنوان الظروف الإستثنائية، التي تتطلب عدم تضييع الوقت والبدء بالعمل الحكومي والنيابي على أن تتصل هذه الدورة بالدورة العادية للمجلس التي تبدأ في 19 تشرين الأول المقبل؟
وتؤكد المصادر القانونية أنه لا يمكن الأخذ بعريضة الإتهام التي رفعت إلى المجلس النيابي من أجل إحالة الملف أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وما قد ينتج عنها، طالما أن مجلس النواب لم يجتمع ويتخذ قراراً بشأنها، بالرغم من تحديد موعد جلسة لهذه الغاية من قبل رئاسة المجلس لم يكتمل نصابها بفعل مقاطعة بعض الكتل والنواب، وإقفال الطرقات من قبل أهالي ضحايا وشهداء تفجير المرفأ.
وهنا نعود إلى المادة 70 من الدستور التي تمنح مجلس النواب سلطة إتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء عن إخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، ولا يجوز أن يصدر قرار الإتهام إلاّ بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس، ويحاكمون أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
والحديث عن هذا الأمر يعيدنا إلى ما سبق وطلبته الهيئة المشتركة المؤلفة من هيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الإدارة والعدل وفقاً للمادة 91 من النظام الداخلي، عندما اجتمعت وناقشت طلب المحقق العدلي المحال عبر النيابة العامة التمييزية بواسطة وزارة العدل، لجهة أن تتضمن المذكرة المرسلة من النائب العام التمييزي، نوع الجرم وزمان ومكان إرتكابه، إضافةً إلى “خلاصة عن الأدلة التي تستلزم إتخاذ إجراءات عاجلة بشأنها”.
كذلك، فإن المادة 98 من النظام الداخلي للمجلس تنصّ على أن للهيئة المشتركة وللمجلس، عند درس ومناقشة طلب رفع الحصانة “تقدير جدّية الملاحقة والتأكد من أن الطلب بعيد من الغايات الحزبية والسياسية ولا يستهدف حرمان النائب من ممارسة عمله النيابي”.