Site icon IMLebanon

ما تجب معرفته عمّا خُفي من حقائق ملف انفجار 4 آب ( 3)

 

 

منذ الانفجار الرهيب الذي أصاب حرم مرفأ بيروت مساء يوم الاربعاء في 4 آب 2020 ونتج عنه الضرر الفادح بالارواح والاجساد والممتلكات، تعددت، منذ الحين وحتى اليوم، الاقاويل والاجتهادات التي تم ترويجها دون ان تكون مستندة بالضرورة الى وقائع ثابتة بل كثير منها هو من نسج الخيال، ولست في وارد تعدادها وتفنيدها أو الإدلاء بتكهنات من عندي تحلَّ محلها.

 

وإذا كانت بعض الوقائع التي تم ترويجها ثابتة فإن ذلك لا ينفع اما لأن لا علاقة لها بجوهر المسألة أو لانها من قبيل رؤية بعض الاشجار في الغابة دون رؤية الغابة بأكملها. وأحياناً يكون الامر معكوساً مثل عدم رؤية الفيل في الغرفة.

 

وان ما أحاوله في هذه الدراسة، المبنية في الغالب على مستندات غير منشورة، هو إلقاء ما تيسّر من الضوء على الغابة والفيل أو الأفيال. وقد يكون المخفي أعظم وقد يفاجيء الجميع.

 

ثالثاً: الاجراءات المتخذة بعد 4 آب 2020

 

1 – على أثر الانفجار، تحرك مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فوراً وكلّف الشرطة العسكرية شفهياً بالتحقيق بالموضوع ثم خطياً بموجب التكليف عدد 9977 تاريخ 6/8/2020 الذي وافقت عليه قيادة الجيش. كما كلفها بتكليف الادلة الجنائية للشرطة العسكرية ورهط هندسة وخبراء متفجرات وايداعه تقريراً مفصلاً من كل منها والحفاظ على مسرح الجريمة وابقاءه مقفلاً وتكليف رئيس اللجنة حسن قريطم بتزويده بلائحة مفصلة بموجودات العنبر رقم 12 والمستندات التي تثبت ذلك بعد اصطحابه من منزله الى مكان عمله.

 

2 – وفي 7/8/2020 وضعت النيابة العامة التمييزية يدها على التحقيق بشخص المحامي العام غسان الخوري الذي أمر فوراً بتوقيف مدير الجمارك العام بدري ضاهر. ثم أمر النائب العام لدى محكمة التمييز السيد غسان عويدات بتوقيف حسن قريطم، حنا فارس، نعمة البركس، مخايل المر، الياس شاهين وخالد الخطيب في سجن الشرطة العسكرية وترك زياد شعبان، جرجس المدور، فادي سعيد، محمد شمس الدين، الين حبيقة، شارل ضو، محمد المولى، محمد قصابيه، مروان الكعكي، ميراي مكرزل، وجوزف القارح مرّين، كما أمر بتوقيف شفيق مرعي ومحمد زياد العوف. وفي 13/8/2020 امر عويدات  بتوقيف حسن قريطم، حنا فارس نعمة البركس، مخايل المر، بدري ضاهر، شفيق مرعي، محمد زياد العوف، الياس شاهين، خالد الخطيب، جوني جرجس، سليم شبلي، نايلة الحاج، ميشال نحول، مصطفى فرشوخ، وجدي القرقفي، ســـــامي رعد، والسوريين رائد الاحمد، خضر الاحمد وأحمد رجب واعـادة كومبيوتر عدد 2 الى جمرك مرفأ بيروت وفي احدهما تفاصيل محتويات العنبر الجمركي رقم 12.

 

3 – ليس هناك قائمة رسمية بمحتويات العنبر رقم 12. ولكن المعلومات التي تم اعطاؤها الى مكتب المباحث الفدرالية الامريكية FBI تفيد بأنه تم، بعد الإنفجار، تجميع مواد منها 8000 متراً من فتيل تفجير، برميل سبيرتو 200 ليتر عدد 2، العاب نارية غير محترقة. لكن المكتب المذكور ابدى شكاً في انه كان يوجد في العنبر 2750 طناً من النيترات وقدر الكمية التي كانت موجودة فعلاً بــ 552 طناً على الأكثر. ولم يتمكن من تحديد أي سبب للانفجار. وكان مكتب الادلة الجنائية اللبناني قد أصدر تقريراً في 7/8/2020 يفيد عدم العثور في الموقع على أية آثار لانفجار اية مواد متفجرة عسكرية.

 

4- وإنه من غير المعروف ما إذا كانت كميّة النيترات المخزونة قد انفجرت أو أنها إندثرت بفعل الإنفجار أو أنها سُرقت. فقد تمّ العثور على أكياس زنة الــــ 50 كيلوغرام فارغة ولا بدّ أنها كانت تملأ بالمواد المستخرجة من الأكياس سعة 1000 كيلوغرام تمهيداً لسرقتها.

 

5 – وفي 11/8/2020 صدر المرسوم رقم 6815 بإحالة جريمة الانفجار على المجلس العدلي.

 

6 – وفي 13/8/2020 اصدرت وزيرة العدل نجم قراراً برقم 2505/3 بتعيين السيد فادي صوان محققاً عدلياً متفرغاً لدى المجلس العدلي في جريمة انفجار المرفأ ثم وبعد صدور القرار عن محكمة التمييز في 17/2/2021 بفعل الدعوى فانها اصدرت قراراً برقم 60/ق بتعيين السيد طارق فايز البيطار محققاً عدلياً لدى المجلس العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت.

 

7 – وفي 14/8/2020 قدمت الشرطة العسكرية تقريرها.

 

8 – وفي ذات اليوم، وقبل صدور تقرير الشرطة العسكرية المذكور، اصدر النائب العام لدى محكمة التمييز السيد غسان عويدات، بصفته النائب العام لدى المجلس العدلي، ورقة طلب ادعى فيها على 25 شخصاً بما يلي:

 

«بأنه في بيروت وخارجها وفي خلال العام 2013 ـــــ 2014 أقدم عدد من المدعى عليهم قصداً على إدخال مواد خطرة قابلة للتفجير (نيترات الامونيوم) خلافاً لاحكام القانون التي تحظر إدخالها، وقاموا بوضعها ــــــ بالاشتراك والتدخل ــــــ تباعاً كل بحسب وظيفته في احد العنابر داخل مرفأ بيروت ــــــ عنبر رقم 12 ــــــ مع مواد أخرى، منها عادية ومنها خطرة بماهيتها (ميتينول ــــــ مفرقعات ــــــ فتائل اشعال ــــــ كيروزين وغيرها) ومن ناحية اشتعالها السريع وقوة حرارتها، دون اتخاذ اي اجراء او فعل يحول دون امتزاجها طوال سنين وصولاً الى انفجارها، مع علمهم اليقين بخطورتها فقبلوا جميعاً مع من يظهره التحقيق بالمخاطرة بإمكانية انفجارها واحداثها الضرر بالبشر والحجر، من خلال عدم اتخاذهم تدابير السلامة العامة والامن او اي تدبير فعلي على الارض يحول دون الكارثة وفق الصلاحيات المعطاة لعدد منهم بحكم القانون بالنظر لمسؤولياتهم الوظيفية ما تسبب بتاريخ 4/8/2020 الى انفجار المواد المذكورة اعلاه بشكل رهيب يتجاوز حدود الخيال، فأدى الى استشهاد 177 شخصاً حتى تاريخه ومفقودين آخرين غير معروفي العدد والهوية واصابة اكثر من سبعة آلاف تراوحت اصاباتهم بدأً بجروح بسيطة وصولاً الى تشوهات واستئصال اطراف، وحصول دمار هائل واضرار مادية جسيمة في الممتلكات العامة والخاصة واحراق وتدمير وتخريب القسم الاكبر من بيروت ومرفأ بيروت وبواخر راسية فيه وأبنية سكنية محيطة به وتجارية وتهجير مالكيها والساكنين فيها فضلاً على عدد كبير من السيارات والشاحنات وأملاك ومقتنيات أخرى وتلوث مدمر للبيئة، فاهتز بذلك الامن القومي للوطن وجعل من عاصمته عاصمة منكوبة».

 

هذا ما جاء على لسان النائب العام لدى محكمة التمييز.

 

9 – وهؤلاء هم من تناولهم الادعاء:

 

شفيق اميل مرعي، بدري فؤاد ضاهر، حسن كامل قريطم، نعمة سيمون البركس، حنا امين فارس، الياس انطونيوس شاهين، خالد محمد الخطيب، مخايل جرجس المر، ميشال جوزف نحول، محمد زياد راتب العوف، مصطفى سليم فرشوخ، نايله جورج الحاج، دجوني ناجي جرجس، وجدي يوسف القرقفي، سامر محمد رعد، سليم جورج شبلي، احمد عمر الرجب، خضر علي الاحمد، رائد خضر الاحمد، عبد الحفيظ بشير القيسي، محمد المولى، العميد انطوان سلوم سلوم، الرائد داود منير فياض، الرائد شربل كمال فواز، جوزيف ميلاد النداف وكل من يظهره التحقيق.

 

10 – وفي 1/7/2021 وجه القاضي البيطار الى مجلس النواب بواسطة النيابة العامة التمييزية كتاباً طلب فيه الاذن بملاحقة النائب علي حسن خليل للاسباب التالية:

 

«اذ قد يكون هناك ثمة شبهة بأن هذا الاخير قد تبلغ في العاشر من شهر ايلول من العام 2016، وخلال توليه مهمته كوزير للمالية، كتاباً موجهاً بواسطته من ادارة الجمارك الى هيئة القضايا، اشير فيه الى تخزين مادة نيترات الامونيوم في المخزن الجمركي الرقم 12 من مرفأ بيروت، والى الخطورة الشديدة التي يسببها بقاء هذه البضائع في المخزن في ظل ظروف مناخية غير ملائمة، كما تضمن الكتاب المذكور اقتراحاً بإعادة تصدير البضائع بصورة فورية الى الخارج حفاظاً على سلامة المرفأ والعاملين فيه، او النظر بالموافقة على بيع هذه الكمية الى الشركة اللبنانية للمتفجرات ـــــ مجيد الشماس المحددة في كتاب قيادة الجيش، وارفق ايضاً ربطاً مع الكتاب السابق ذكره، كتابين موجهين من مدير عام الجمارك الى قاضي الامور المستعجلة في بيروت، الاول تاريخ 5/12/2014 والثاني تاريخ 5/6/2015، يشيران بدورهما، وبوضوح، الى الخطورة الشديدة لمادة نيترات الامونيوم المخزنة في العنبر رقم 12، وبوجوب اعادة تصديرها الى الخارج بصورة فورية حفاظاً على سلامة المرفأ والعاملين داخله،

 

وقد يكون هناك شبهة ايضاً بأن الوزير السابق والنائب علي حسن خليل امتنع عن القيام بأي فعل من شأنه ان يبعد الخطر الذي قد تحدثه هذه المواد على المرفأ والاماكن السكنية القريبة منها، على الرغم من امتلاكه سلطة وصلاحية تخوله معالجة موضوع النيترات الذي انقضى على وجوده في المرفأ فترة طويلة بحيث اصبح بضاعة متروكة بحسب قانون الجمارك.

 

اذ انه وبصفته وزيراً للمالية يتولى شؤون الجمارك، ويرتبط به المجلس الاعلى للجمارك الذي يشرف على ادارة الجمارك، كما تخضع لسلطته الضابطة الجمركية كقوة عامة مسلحة في إدارة الجمارك، والتي حددت صلاحيتها في المادة 1 من المرسوم الرقم 1802 تاريخ 27/2/1979، الامر الذي قد يثير شبهة حول توقعه ان يتسبب تواجد تلك المواد في المرفأ بالقرب من الاماكن السكنية بأضرار جسيمة في البشر والحجر، وقبوله بالمخاطرة من خلال امتناعه عن اجراء ما يلزم لدرء الخطر».

 

هذا ما جاء حرفياً على لسان المحقق العدلي البيطار!

 

11 – وفي ذات التاريخ، وجه القاضي البيطار كتاباً مشابهاً طلب فيه الاذن بملاحقة النائب غازي زعيتر للاسباب التالية:

 

«إذ قد يكون هناك ثمة شبهة، بأن هذا الاخير تبلغ في الشهر الخامس من العام 2014، واثناء توليه مهمته كوزير للاشغال العامة والنقل، كتاباً موجهاً من الامن العام اللبناني بوجود الباخرة التجارية روسوس في مرفأ بيروت، وانه يحظر مغادرتها المرفأ بسبب القاء حجز احتياطي عليها، وان قرار الحجز قد جاء بعد افراغ حمولتها وابقاء على متنها اطنان عدة من  المواد الشديدة الخطورة من نوع نيترات الامونيوم العالي الكثافة،وبأنه لم يقدم على أي فعل من شأنه ان يبعد الخطر الذي قد تحدثه هذه المواد على المرفأ والاماكن السكنية القريبة منها، كما انه لم يتحقق من المواد التي جرى تفريغها من السفينة،وذلك كله على الرغم من تمتعه بالسلطات والصلاحيات التي تخوله ذلك، سيما وان مديرية النقل البري والبحري تخضع لسلطته المباشرة، علماً ان رئيس الميناء التابع لهذه المديرية قد جرى تعيينه حارساً قضائياً على مواد النيترات، وبالتالي اضحى بذلك على الوزير المذكور سلطة مباشرة على هذه المواد المخزنة في العنبر رقم 12، كما ان وزير الاشغال العامة والنقل يتمتع بسلطة الاشراف على اعمال اللجنة المؤقتة لهيئة ادارة واستثمار مرفـأ بيروت التي تتولى ادارة المرفأ،

 

الامر الذي قد يثير شبهة حول توقعه ان يتسبب تواجد تلك المواد في المرفأ بالقرب من الاماكن السكنية بأضرار جسيمة في البشر والحجر، وقبوله بالمخاطرة من خلال امتناعه عن اجراء ما يلزم لدرء الخطر».

 

هذا ما جاء حرفياً على لسان المحقق العدلي البيطار!

 

12 – وفي ذات التاريخ، وجه القاضي  البيطار كتاباً مشابهاً طلب فيه الاذن بملاحقة الوزير السابق نهاد المشنوق للاسباب التالية:

 

«تبلغ في الشهر الخامس من العام 2014 واثناء توليه مهمته كوزير للداخلية كتاباً من الامن العام اللبناني بوجود الباخرة التجارية روسوس في مرفأ بيروت… ولم يقدم على أي فعل من شأنه ان يبعد الخطر الذي قد تحدثه هذه المواد على الاماكن السكنية القريبة منها، كما انه لم يتحقق من المواد التي جرى تفريغها من السفينة… الامر الذي يثير شبهة جدية حول توقعه ان يتسبب تواجد تلك المواد في المرفأ بالقرب من الاماكن السكنية بأضرار جسيمة في البشر والحجر وقبوله بالمخاطرة من خلال امتناعه عن اجراء ما يلزم لدرء الخطر».

 

هذا ما جاء حرفياً على لسان المحقق العدلي البيطار!

 

13 – وفي 12/7/2021 وجواباً على الطلبات الثلاث المذكورة، وجه امين عام مجلس النواب كتاباً الى النيابة العامة التمييزية طلب فيه ارسال جميع الاوراق والمستندات  التي من شأنها اثبات شبهات القاضي البيطار.

 

14 – فكان جواب القاضي البيطار الرفض.

 

15- لكن المحقق العدلي البيطار لم يكن أبداً المرجع المختص لطلب الإذن. فإن المرجع الذي حدده القانون هو وزير العدل. لكنه كان يوجه طلباته إلى مجلس النواب بواسطة النيابة العامة التمييزية، التي كانت تحيلها إلى وزيرة العدل، التي كانت تحيلها بدورها إلى مجلس النواب دون أي طلب من جانبها!

 

16- فلم تكن طلبات البيطار جديّة بل مخالفة جلياً للقانون وكذلك النيابة العامة التمييزية فإنها لم تكن جديّة في إحالة طلب البيطار غير الجدّي والمخالف للقانون إلى وزارة العدل. وكذلك الأمر بوزيرة العدل لجهة عدم الجديّة لأنها كانت تعلم، كما كان البيطار يعلم، ان طلب الإذن لا يقدم إلا من جانبها وهي لم تطلب شيئاً.

 

17 – وفي 14/7/2021 تقدم 26 نائباً بعريضة اتهام ضد السادة خليل، زعيتر، والمشنوق عملاً بالمــادة 18 من القانون رقم 13/1990 المتعلق بأصــــول المحاكمة لدى المجلس الاعلى. وفي اليوم التالي وجه الامين العام لمجلس النواب كتاباً الى كل منهم يبلغه فيه بما تقدم طالباً منه توكيل محام لسماعه تمهيداً للبت بطلب الاتهام. إلا ان الجلسة لم تنعقد لعدم اكتمال النصاب ولم يعين موعد جديد لها.

 

18 – وبعد ذلك تم، سواء عن حق أو دون  وجه حق، تقديم عدد كبير من المراجعات الرامية في مرحلتها الاولى الى رفع يد القاضي صوان عن الملف، فتم ذلك، وفي مرحلتها الثانية الى رفع يد القاضي البيطار، فتم رد بعضها وما يزال البعض الآخر قيد النظر في جو من البلبلة داخل قصر العدل وفي الشارع العام.

 

(غداً الحلقة 4)