في سابقة لم تحصل في تاريخ لبنان، إدّعى المحقّق العدلي في ملفّ إنفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوّان على رئيس الحكومة الدكتور حسّان دياب، وعلى ثلاثة وزراء، بجرم الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص.
هي سابقة لأنّها الأولى من نوعها في الإدّعاء على رئيس حكومة، ليس فقط وهو لا يزال يمارس صلاحياته في السراي، وإنّما على رئيس حكومة، بينما ليست الأولى من نوعها بالنسبة للإدّعاء على وزراء.
وبمعزل عن السجال السياسي الذي رافق هذا الإدّعاء، فإنّ الكثير من الأسئلة: ماذا سيفعل مجلس النواب بعد هذا القرار، سيّما وأنّ نائبين من بين الوزراء الثلاثة المدّعى عليهم مع رئيس الحكومة؟ وهل بات دور المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء على المحكّ؟ وهل جاء قرار صوّان ردّاً على جواب مجلس النواب على كتابه ومراسلته في 24 تشرين الثاني؟
وفي كل مرة تُطرح قضية من هذا النوع تبرز إشكالية دور المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وأزمة تفسير عبارة “الإخلال بالواجبات المترتّبة عليهم” في المادة 70 من الدستور، وهنا المقصود “الوزراء”.
ما جرى لا يزال يُركّز على الشكل، بينما المطلوب هو معرفة كيف حصل إنفجار المرفأ؟ ومن تسبّب به فعلاً؟ ومن المسؤول عن شحنة نيترات الأمونيوم؟
يقترح المدّعي العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي “تشكيل لجنة تحقيق برلمانية من قبل مجلس النواب لكي تنظر وتُحقّق بما نُسب إلى رئيس الحكومة والوزراء”.
ويقول ماضي لـ”نداء الوطن”: “عندما تُشكّل لجنة تحقيق برلمانية يستطيع مجلس النواب وضع يده على ملفّ التحقيقات مع رئيس الحكومة والوزراء الذين إدّعى عليهم القاضي صوان أو قد يدّعي عليهم لاحقاً، وهكذا يتوقف القضاء عن المتابعة في ما يخص رئيس الحكومة والوزراء”.
ويُذكّر ماضي بسابقة لجنة تحقيق طائرات “البوما” وغيرها، مؤكّداً أنّه مع “بقاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لأنه يتولّى حسب الدستور النظر في بعض الجرائم”. ويلفت إلى أنّ “المحقّق العدلي لا يستطيع الإدّعاء على رئيس الجمهورية لأنّه يتمتّع بحصانة مطلقة، وهو فقط يخضع لمحاكمة أو إدّعاء مجلس النواب، بينما يستطيع المحقّق العدلي أن يستمع لإفادة رئيس الجمهورية”.
ويؤكّد أنّه “ضدّ الكتاب الذي أرسله القاضي صوّان إلى مجلس النواب، لأنّه يُشكّل سابقة في تاريخ القضاء اللبناني وتخلّياً من القضاء عن صلاحياته”، مشيراً إلى أنّ “مجلس النواب ردّ الكتاب بالشكل ولم يتطرّق إلى المضمون”.
ويقول مدّعي عام التمييز السابق: “المتوقّع حالياً هو أنّه إذا وجد القاضي صّوان أنّ أفعال رئيس الحكومة والوزراء تجعل من المجلس الأعلى صاحب صلاحية للنظر فيها، يُحيل التحقيقات إلى مجلس النواب لكي يقوم بدوره سنداً إلى المادة 70 من الدستور، وإذا وجد أنّها جرائم عادية، فينظر هو بها ويتّخذ القرار بشأنها”.
ويشرح: “النقاش الحادّ والقديم بين رأيين في مواضيع كهذه: الأول يقول بأنّ كل أعمال رؤساء الحكومة والوزراء تعتبر محمية بالمادة 70 من الدستور، وبالتالي تتمّ المحاكمة على أفعالهم وجرائمهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، أما الرأي الثاني الذي يعتنقه القضاء فيقول بضرورة التمييز بين نوعين من الأفعال التي يرتكبها رؤساء الوزراء والوزراء، نوع يتّصل بموجبات الوزير الدستورية، ونوع له علاقة بالأفعال العادية، والقضاء يعتبر أنّ النوع الأول فقط (الموجبات الدستورية) من صلاحية المجلس الأعلى، أمّا النوع الثاني فيخضع للمحاكم العادية، وقد صدر عام 2000 قراران مبدئيان عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وهي أعلى مرجع قضائي في لبنان يتبنّى هذا الموقف وقد طبّقه القضاء في حالتي الوزيرين السابقين شاهي برسوميان وعلي عبد الله”.
ويرى الوزير الأسبق والخبيرالدستوري والقانوني زياد بارود أنّ “الإشكالية الأساسية هي في دور المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، سيّما وأن سلطة الإتهام تعود لمجلس النواب بأكثرية الثلثين وفقاً للمادة 70 من الدستور”.
ويؤكد لـ”نداء الوطن” أنّ”الإشكالية هي في تفسير أو من يُفسّر عبارة “الإخلال بالموجبات المترتّبة عليهم”، أي الوزراء، وهنا أعتقد أنّ مجلس النواب يميل إلى توسيع التفسير لجهة الصلاحية، بينما القضاء العدلي يحصرها لمصلحته، وربّما ما قام به القاضي صوّان هو تفسير لمصلحة القضاء العدلي”.
وعن مراسلة مجلس النواب يقول بارود: “قراءتي للكتاب في 24 الشهر الماضي تختلف عنها اليوم، فالقاضي صوّان قال إنّ لديه شبهات في بعض المسؤولين وفي 26 /11 ردّ المجلس النيابي بأنّ لا شبهات وهو متمسّك بالقانون 1390، وأنا أعتقد أنه لو ذهب المجلس النيابي أبعد وطلب من القاضي توضيحاً وشرحاً ربّما عن الشبهات لكان أفضل، كما قد يكون المحقّق العدلي إعتبر أنّ هذه الأفعال لا تدخل في الطبيعة السياسية لعمل المسؤولين”.
ويسأل بارود: “ماذا سيفعل مجلس النواب بعدما وضع القضاء العدلي يده على هذا الملفّ؟ فهناك إشكالية تحتاج حلّاً، كما أنّ العبرة هي في أنّه آن الأوان لإلغاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي أثبت عدم فعاليته، وكذلك الحصانات التي أصبحت معرقلة للمسار القضائي، ولنا في تجربة الإدعاء على وزراء الإتصالات السابقين البينة، بينما في السياسة، فإنّ ما جرى يفتح الباب على أمور أخرى متعدّدة”.