تستمر الأشغال من دون موافقة وزارتي الثقافة والبيئة
لزّمت وزارة الأشغال العامة والنقل المرحلة الثانية من مشروع إنشاء مرفأ الرئيس نبيه بري للصيد والنزهة في عدلون. الشبهات التي حامت حول تلزيم المرحلة الأولى تكررت في المرحلة الثانية، إذ جرت عملية التلزيم من دون إعلان مسبق، وفاز فيها المتعهد نفسه. في وقت لم تنظر فيه النيابة العامة المالية بإخبار هدر المال العام. كذلك لم تنفذ قرارات شورى الدولة ووزارتي الثقافة والبيئة بإيقاف الأشغال
“الشغل ماشي” في مرفأ الرئيس نبيه بري للصيد والنزهة في عدلون، “شاء من شاء وأبى من أبى”، على حدّ تعبير وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر عند إطلاق المشروع قبل أشهر. المرحلة الأولى أُنجزت، على الرغم من صدور قرارات قضائية بوقف تنفيذها لم يلتزمها الوزير زعيتر، وهي تضمنت إنشاء سنسول بطول يزيد على 600 متر وشق طريق عند حدود المرفأ.
ومن المقرر أن تنطلق المرحلة الثانية قريباً، بعدما لزّمت إلى شركة خوري للمقاولات، من دون التزام أيٍّ من شروط المناقصات، علماً أن هذه الشركة هي نفسها التي لزمت المرحلة الأولى. في هذا الوقت، لا تتوقف أسنان الجرافات عن العمل إلى الجنوب من السنسول المنجز باتجاه شاطئ الزيرة. في الأيام الماضية، أنتجت أعمال الحفر والجرف تلة من الردميات والأتربة. قسم من هذه التلة يقع داخل حرم البستان الذي يملكه ورثة الرئيس رفيق الحريري، والقسم الآخر منها يقع فوق الشاطئ. هُدم جزء من سور بستان الحريري، المعتدي أصلاً على الأملاك العامة البحرية.
بالاستناد إلى الخريطة الأولية التي وزعتها الوزارة للمشروع، يظهر أن بعض الأشغال الجارية تقع خارج حرم المشروع. تفيد المعلومات بأن الوزارة تنشئ جسراً لربط حرم الميناء الجديد بشاطئ الزيرة، الذي سيصبح شاطئاً شعبياً بإشراف بلدية عدلون، وهذه الأشغال لا يرد ذكرها في المخطط الذي قدمته الوزارة قبيل إطلاق الأشغال، إذ تضمن إنشاء سنسول رئيسي وآخر ثانوي وتسعة أحواض وأرصفة حول الحوض المائي بطول 840 متراً وأرصفة متعامدة بطول 420 متراً وتنظيم المساحات البرية المتاخمة للحوض المائي ورصفها بالباطون والأسفلت واستحداث مقارّ لنقابة الصيادين ورئاسة المرفأ والأجهزة الأمنية.
إخباران ينامان
في أدراج النيابة العامة المالية وديوان المحاسبة
لا يظهر على الموقع الإلكتروني لدائرة المناقصات (التابعة للتفتيش المركزي) أي ذكر لمناقصة المرحلة الثانية، ولا نوع الأشغال الجارية حالياً والمنتظرة، بل لا يرد ذكر أي مناقصة تتعلق بمرفأ عدلون. إلا أن البحث في زاوية نتائج المناقصات، يظهر إعلاناً موقعاً باسم رئيس الدائرة، جان العلية، نشر في شهر حزيران الفائت، يفيد بأن لجنة المناقصات “بعد مقارنة الأسعار الإجمالية المقدمة من العارضين، قررت إرساء التلزيم مؤقتاً على العارض (شركة خوري للمقاولات ش.م.م.) بالسعـر الإجمالي المقدم منه، والبالغ أحد عشر ملياراً وأربعمئة وواحداً وخمسين مليوناً ومئتين وخمسة وسبعين ألف ليرة لبنانية لا غير!
لماذا لم تعلن وزارة الأشغال العامة استدراج العروض لتلزيم المرحلة الثانية؟ المعلومات المتداولة تفيد بأن وزير الأشغال غازي زعيتر دعا إلى مكتبه “شركة خوري” فقط ولزمها المرحلة الثانية من دون التزام الالية القانونية المتبعة في تلزيم المناقصات.
تستمر الأشغال إذاً، ومن دون تراخيص مفروضة من وزارتي الثقافة والبيئة، وهي تراخيص تتعلق بإنجاز دراسة الأثر البيئي والمسح الأثري. الجدير بالإشارة أن وزيري البيئة محمد المشنوق والثقافة روني عريجي كانا قد أرسلا كتابين إلى زعيتر، أبلغاه فيه اعتراضهما على المشروع لوقوعه ضمن موئل للسلاحف البحرية وفوق أنقاض مكتشفات أثرية فينيقية. إلا أن الوزير المعني لم يأبه. على هذا المنوال، يسير الإخبار الذي قدمه وكيل شركة الجنوب للإعمار، المحامي علي عباس، إلى النيابة العامة المالية في نيسان الفائت، يشكو فيه وجود هدر وتبديد للمال العام في تلزيم المرحلة الأولى من المشروع. ويستند إلى قرار الوزير زعيتر بإلغاء المناقصة (الأولى)، التي رست على الشركة التي يمثلها بقيمة أربعة مليارات ليرة واستبدالها بمناقصة محصورة دعا إليها متعهدين محددين اختار منهم شركة خوري، التي فازت بقيمة ثمانية مليارات ليرة، في حين أنها كانت قد تقدمت بعرض في المناقصة الأولى بلغ خمسة مليارات ليرة.
يقول المحامي عباس إن إخباره لا يزال محفوظاً في أدراج النيابة العامة، وإنه لم يستدع لتقديم معلوماته حول المليارات الثلاثة التي زادت بين المناقصة المفتوحة والمناقصة المحصورة.
وكان مجلس شورى الدولة قد أصدر قرارين في تشرين الأول وكانون الأول من عام 2015، يطلب فيهما وقف تنفيذ الأشغال، بناءً على مراجعة مقدمة من شركة الجنوب للإعمار تدعي فيها وقوع ضرر لحق بها بعد إلغاء فوزها بالمناقصة.
ووجه عباس كتاباً إلى زعيتر في أيار الفائت يطلب فيه “وقف المخالفات للقرارات القضائية النافذة وتوقيع عقد تلزيم المرحلة الأولى للشركة، مع تدوين احتفاظها بحقوقها بالعطل والضرر والربح الفائت والمصاريف والأعباء التي تكبدتها بانتظار توقيع العقد معها من جراء التعسف وإساءة استعمال السلطة”.
إخبار آخر أرسلته الشركة في أيار الفائت إلى رئيس ديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان، يطلب “وقف التنفيذ والرجوع عن تصديق الديوان على جميع عقود التلزيم والنفقات بالاستناد إلى قرار زعيتر (في حزيران 2015) المتعلق بتسمية المتعهدين للمشاركة في الملف”. إلا أن حمدان “لم يبت بالكتاب”، بحسب عباس.