Site icon IMLebanon

لا نريد إعادة إعمار المرفأ…

 

 

لم تُبلسم بعد جروح الإنفجار النووي، الإرهابي التخريبي والإجرامي الذي ضرب لبنان، في 4 آب 2020، إذ لم تجف دماء الـ 210 شهداء ونحو 6 آلاف مصاب من شوارع بيروت، ولم تتم بعد إعادة إعمار وترميم الـ 300 ألف منزل التي دُمّرت جرّاء أكبر ثالث انفجار في العالم، ولم نتوصّل بعد إلى نتائج تحقيق رسمي وواضح وشفاف، كي نعرف ماذا حصل، ومَن المسؤول عن تدمير عاصمة لبنان وحقيقة هذه الكارثة العالمية.

 

لم ولن ننسى الإجرام الدموي الذي ضرب لبنان وكل اللبنانيين المنتشرين في القارات الخمس.

 

نسمع في الكواليس عن مشاريع إعادة إعمار مرفأ بيروت، ونشكر من عميق قلوبنا كل السلطات الدولية، والبلدان والشركات والأفراد الذين يتهافتون من أجل إعادة إعمار المرفأ، على نحو أكثر من المسؤولين اللبنانيين أنفسهم المعنيين في هذا الشأن.

 

لكن بكل أسف وحزن وقهر، علينا أن نصرّح بصوت عال، ورغماً عن إرادتنا، أننا لا نريد اليوم إعادة إعمار المرفأ ليُستعمل مرة أخرى مثل السنوات الماضية، للإرهاب والفساد، والتهريب والتخريب، وللإقتصاد الأسود، على نحو أكثر بكثير من الإقتصاد الأبيض.

 

لا نريد إعادة إعمار المرفأ، كي نمحي بصمات المجرمين، وعلى جثث إخواننا الذين فارقونا جرّاء هذا التدمير الإرهابي.

 

لا نريد إعادة إعمار المرفأ لتعود السلطة عينها والحكام أنفسهم، ويستفيدون من هذا المنفذ البحري لأعمالهم المشبوهة. لا نريد إعادة إعمار المرفأ كي يتقاسم ويتحاصّص المسؤولون مردوده.

 

لا نريد إعادة إعمار المرفأ مع إبقاء المسؤولين أنفسهم، والسلطة عينها، وبالطريقة ذاتها، وإعطائهم أداة للتهريب والكسب السريع مجدداً.

 

لا نريد إعادة إعمار المرفأ قبل أن نعرف الحقيقة الواضحة والصريحة وحقيقة التحقيقات القضائية – الدولية والمسؤولية المباشرة وغير المباشرة، حيث سُفكت دماء الأبناء وذرفت دموع الأمهات.

 

قبل إعادة إعمار المرفأ، علينا أولاً إعادة بناء أنفسنا، ومن ثم عائلاتنا، وأيضاً تفكيرنا، وهكذا نبدأ إعادة إعمار مجتمعنا وجوارنا، ومن ثم إعادة إعمار اقتصادنا وشركاتنا، وكل القطاعات الإنتاجية. من هنا نبدأ بإعادة إعمار بلادنا على أسس متينة وشفافة، حينئذ تصبح إعادة إعمار المرفأ أولويتنا، فيكون ما تبقى من الركام درساً للأجيال المقبلة، عمّا هي نتيجة المحاصصة والمقاسمة، والفساد، والتهريب، والإرهاب، ويكون الحجر الأساسي والمبنى الجديد صورة عن لبنان الجديد وعن مستقبله المشرق.