IMLebanon

مرفأ بيروت المدمّر!! (2/2)

 

صاحب الفضل في ازدهار المدينة يعود تاريخه إلى العهد الفينيقي

 

• إزدهار بيروت بفضل مرفئها:

وفي القرن الثامن عشر الميلادي بدأت بيروت تحتل مكانة اقتصادية بارزة، وأصبحت أكثر مدن الساحل الشامي تجارة واكتظاظاً سكّانيّاً، وذلك بفضل مينائها وعوامل اقتصادية أخرى، ما دفع التجّار الأجانب لا سيما الفرنسيين المقيمين في صيدا، إلى الكتابة لحكومتهم في عام 1753م وطالبوا بإرسال بعض التجّار والصنّاع إلى بيروت وجوارها ممن يحترفون غزل القطن لتوجيه الصناعة والتجارة بأسلوب مناسب.

وبسبب هذا التطوّر الاقتصادي الضخم لمدينة بيروت ولمرفئها، حرصت الدول الأوروبيّة على اتخاذ مقار لها فيها، بافتتاح قنصليات لم تكن موجودة في الأصل. ففي سنة 1822م افتتحت وزارة الخارجية الفرنسيّة قنصلية لها في بيروت، بعدما صارت هذه المدينة مركزاً تجارياً واقتصادياً هاماً، وبلغ معدل السفن الإنكليزيّة في مرفأ بيروت سنوياً 150 سفينة.

وفي القرن التاسع عشر، كان بمثابة خلية نحل حيث يلتقي التاجر البيروتي بالتاجر الفرنسي والإيطالي والمالطي والنمساوي، وبتجار الإسكندريّة ودمياط والمغرب وتونس والجزائر. ويلتقي التاجر البيروتي بتاجر الجبل اللبناني والتاجر الدمشقي والحلبي والحمصي والحموي وغيرهم.

وكانت حركة التجارة في ميناء بيروت حركة نشطة، حيث كان الجبل اللبناني يزوّد تجار بيروت بـ 1800 قنطار من الحرير، ويتم تصديرها عبر مرفأ بيروت بواسطة مراكب أوروبيّة ومحليّة، يُصدّر معظمها إلى دمياط والإسكندريّة والمغرب وتونس والجزائر، وتعود هذه المراكب محمّلة بالأرز، والكتّان والأنسجة وجلود الجواميس من مصر، والعباءات من تونس. كما تحمل من موانئ المغرب العربي بعض السلع الأوروبيّة التي تحتاج إليها بيروت ومدن الشام، ومن النمسا الطرابيش، وقُدِّر مجموع ما استوردته بيروت سنوياً في أوائل القرن التاسع عشر بنحو 200 ألف قرش.

>  إمتياز مشروع تطوير المرفأ:

تزايد الاهتمام بدأ تباعاً بمرفأ بيروت، ففي سنة 1863 تقدمت شركة (مساجيري ماريتيم) بمشروع مرفق بالخرائط لتحسين المرفأ، وقدّمته لأحمد قيصرلي باشا، حاكم ولاية صيدا، التي كانت بيروت تتبع لها، وقُدّرت نفقات هذا المشروع بستة ملايين وثلاثمائة وواحد وسبعين ألف وثلاثمائة فرنك، غير أنه لم يوضع موضع التنفيذ إلا عام 1880م بعدما فشلت بلدية بيروت عام 1879م وشركة طريق بيروت – دمشق في الحصول على إمتياز هذا المشروع.

وبعد إتصالات مكثفة صدرت إرادة سلطانيّة مؤرّخة في 19حزيران عام 1887 نال يُوسُف أفندي المطران بموجبها إمتياز مشروع تطوير وتحسين مرفأ بيروت ولمدة ستين عاماً تنتهي في 19 تموز عام 1947، وقد اشترط على صاحب الإمتياز المباشرة بالعمل بعد سنتين وإنجازه في خمس سنوات، على أن يكون طول الرصيف 1200 متر، واحتفظت الحكومة العُثمانيّة بحق ابتياع هذا المشروع بعد ثلاثين سنة، واشترطت الإرادة السلطانيّة على السفن الداخلة إلى المرفأ دفع رسوم الدخول والرصيف، أو دفع الرسوم إذا كانت هذه السفن لا تقترب من الرصيف.

وفي سنة 1888م تألّفت الشركة العُثمانيّة لمرفأ بيروت وأرصفته ومخازنه، برأسمال قدره خمسة ملايين فرنك، وكانت هذه الشركة فرنسيّة مما أثار حفيظة الإنكليز الذين أشاعوا أن هذا المشروع غير مفيد، لعدم وجود خط سكة حديد بين بيروت والمرافئ الشاميّة.

إلا أنه بوشرت أعمال تحسين المرفأ عام 1889م وقامت بها شركة (وزي وطونن ولوزي) غير أن المشروع واجهته الكثير من التعقيدات، مما اضطر هذه الشركة للاستدانة من شركة خط حديد بيروت – دمشق – حوران، مبلغاً وقدره خمسة ملايين فرنك، لمتابعة أعمالها.

> خلافات انتهت إلى توسعة المرفأ:

بعد إنتهاء مشروع تطوير المرفأ عام 1894م وقعت خلافات بين شركة المرفأ وبين الحكومة العُثمانيّة ووزارة البحريّة العُثمانيّة، ومن أسباب هذه الخلافات مسألة دخول البوارج الحربيّة العُثمانيّة إلى المرفأ، والخلافات بين شركة المرفأ وبين إدارة الجمارك بشأن رسم الحمّالين والمخازن وتعيين حدود منطقة شركة المرفأ.

كما وقع خلاف على زيادة رسوم الدخول للمرفأ مما أثّر على حركة الصادرات والواردات، بحيث تحوّلت إلى بقية المرافئ الشاميّة القريبة، كما أن بُعد المسافة بين نهاية خط الحديد بيروت – دمشق وبين مرفأ بيروت كان من جملة أسباب الخلافات بين الجانبين وتأثر حركة المرفأ التجاريّة.

والحقيقة فإن هذه الأزمة بين الجانبين سرعان ما انتهت، بل أن المرفأ ازدادت أحواضه وأرصفته ما بين رأس الشامية إلى رأس المدور، وبدأ يستقبل سفناً أكثر وأكبر إتساعاً.

> إنتقال امتياز المرفأ لشركة لبنانية:

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت بيروت أهم ميناء عربي في شرق المتوسط يخدم العالم العربي.

وفي عام 1925 انتقلت السيطرة على مرفأ بيروت إلى شركة فرنسية، ثم مُنح هذا الامتياز إلى شركة لبنانية عام 1960.

ومهما يكن من أمر، فقد شهد مرفأ بيروت قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها تطوراً ملموساً أثّر تأثيراً مباشراً في الحياة الاقتصاديّة البيروتيّة واللبنانيّة والشاميّة، ولا يزال بعض البيارتة يذكرون نزول الطائرات الخاصة المائيّة في مرفأ بيروت، وذلك قبل إنشاء مطار بئر حسن في منطقة المدينة الرياضية اليوم.

>  المرفأ الأول في المنطقة قبل تفجيره:

مرفأ بيروت قبل تفجيره من سنتين كان الأول في لبنان والحوض الشرقي للبحر المتوسط والمنفذ البحري الأساسي للدول العربية الآسيوية، حيث يتعامل مرفأ بيروت مع 300 مرفأ عالمي، ويقدّر عدد السفن التي ترسو فيه بـ 3100 سفينة سنوياً.

ومن خلاله تتمّ معظم عمليات الاستيراد والتصدير اللبنانية وتمثّل البضائع التي تدخل إليه 70% من حجم البضائع التي تدخل لبنان. كما يحتل المركز الأول في المداخيل المركّبة 75% إضافة إلى دوره كمركز أساسي لتجارة إعادة التصدير وتجارة المرور الترانزيت.

فقد كان يتألّف مرفأ بيروت من أربعة أحواض، يتراوح عمقها بين 20 – 24 متراً، وعدد الأرصفة 16 رصيفاً، تنتشر عليها المستودعات المسقوفة والمكشوفة. تبلغ مساحة أحواضه نحو 660000. وقد بدأ العمل بمشروع تأهيل وتوسيع المرفأ وإنشاء الحوض الخامس المخصّص لإستقبال المستوعبات، والذي تصل حدوده حتى مصب نهر الكلب، إضافة إلى إهراءات القمح والمنطقة الحرة.

والمرفأ كان مجهّزاً بأحدث أدوات التفريغ والتحميل، ويؤمّن أفضل الشروط للتخزين.

أما المنطقة الحرة في المرفأ فتبلغ مساحتها 81000 متر مربع.

– إنتهى.

 

* إعلامي وباحث في التراث الشعبي