أحد القرارات الستراتيجية الأهم، الذي صدر عن اجتماع الدول العشرين الأكبر اقتصاداً في العالم، في الهند منذ أسابيع؛ كان استحداث «خطٍّ أخضر» للتجارة، يربط الهند بأوروبا مروراً بالخليج العربي ودوله براً وصولاً إلى ميناء حيفا وبعده إلى أوروبا. إنّه مزيجٌ، قد يكون معقداً، من الإختلاط البرّي والبحري؛ لكنه يبقى واعداً لتطوير التبادل التجاري بين دول العالم. قبل ذلك بأعوام طرح بعض الإقتصاديين الدوليين فكرة إقامة طريق برّي عبر آسيا الوسطى، يربط الصين بأوروبا؛ وأطلق عليه إسم «طريق الحرير الجديد»، تيَّمُناً بطريق الحرير التاريخي الذي كان يربط، قبل مئات السنين، الصين بأوروبا عبر مرفأ البندقية في إيطاليا. لكن هذه الفكرة بقيت حبراً على ورق، نظراً لتكاليفها الباهظة وانتفاء جدواها الإقتصادية.
«الخط الأخضر» الجديد المقترح، قد يتميَّز بجدوى إقتصادية أفضل بكثير من «طريق الحرير»؛ لكن تركيبته البرية والبحرية المعقدة، ومحطاته العديدة، تستلزم موجبات لوجستية إضافية، قد ترفع من تكاليف التبادل التجاري، ما يُخفِّف من دوره الاستراتيجي وبالتالي طريقة تحقيقه.
عندما تشكلت حكومة الرئيس ميقاتي، أبلغ وزير الأشغال في حينه الوزير علي حميه النواب، أنه بصدد وضع رؤية استراتيجية لأدوار المرافئ البحرية في لبنان؛ وبأنه سيتقدّم من المجلس النيابي بهذه الرؤية خلال شهرين عندما تكتمل دراستها للموافقة عليها من قبل النواب. أثنى كثيرون من النواب على هذه الطريقة الستراتيجية المستحدثة لأحد وزراء الأشغال العامة. ولكن مضى حتى الآن 24 شهراً من دون أن يعود الوزير إلى المجلس برؤية استراتيجية للموضوع.
اليوم، وبالرغم من استحداث «الخط الأخضر» في نيودلهي، إلاّ أنّه لم يفت الأوان أمام مرفأي بيروت وطرابلس لاستعادة الدور. فإذا كان «الخط الأخضر» هو المشروع الأساسي للهند وأوروبا عبر الصحراء العربية، إلاّ أنّ مرفأيْ بيروت وطرابلس قد يشكّلان المحطتين الأفضل لجنوب شرقي آسيا والصين مع أوروبا والشرق الأوسط والساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية للأسباب الآتية:
– التنافس الطبيعي بين الصين والهند.
– تخفيف الأعباء اللوجستية بإلغاء الخطوط البرية سواء كانت حديدية أو طرقية بين الخليج وحيفا ومن ثم اليونان وأوروبا وتكاليفها الإضافية المعقدة والمرتفعة.
– اختصار محطات التبادل بواحدة في مرفأيْ بيروت وطرابلس، بدل تعدد المحطات في «الخط الأخضر»، علماً أنّ بيروت وطرابلس تخدمان بنفس الوقت بلدان شرقي المتوسط وصولاً إلى إيران.
هذا المشروع يتطلب توفر عنصرين أساسيين متلازمين:
1- شركات مرافئية دولية ذات خبرة عالمية في التبادل التجاري البحري؛ وهي متوفرة بكثرة في أمستردام أو مرسيليا أو الصين أو الولايات المتحدة الأميركية…
2- وجود دولة في لبنان بمسؤولين يدركون معنى الجغرافيا في السياسة، أي المسائل الجيوسياسية وانعكاسها على تطور الشعوب وازدهارها.
كفى نوحاً على مرفأ بيروت ودوره إن أحسنَّا وضع رؤية لمستقبل بلدنا. لم يفت الأوان على مرفأيْنا في بيروت وطرابلس. هناك دراسة جاهزة أعدّتها غرفة الصناعة والتجارة والزراعة في الشمال بواسطة دار الهندسة، تقضي بتوسيع مرفأ طرابلس، بحيث يمكنه لوحده استيعاب 25 مليون حاوية، بينما المخطط الإسرائيلي الموضوع لمرفأ حيفا يستوعب 23 مليون حاوية.
إنها فقط مسألة دولة برجال قادرين على تحمُّل المسؤولية.