يشهد مرفأ بيروت تنافساً دولياً على إعادة إعماره بما يعكس حدة صراع النفوذ والمصالح الاقتصادية في المنطقة، لا سيما بين الجانبين التركي والفرنسي الى جانب الصين، على أنّ الفوز بعملية إعادة الاعمار يجسّد نقطة استراتيجية أساسية للفائز بحصوله على مركز نفوذ رئيسي على طول شاطىء شرق المتوسّط.
خاض لبنان منذ نحو عامين معركة شرسة تمثّلت بمحاولة إدارة واستثمار مرفأ بيروت، بشتى الطرق، رَدم الحوض الرابع بحجّة زيادة القدرة الاستيعابية لمحطة الحاويات وللبضائع العامة. أما اليوم وبعد محاولات مشبوهة إبّان انفجار المرفأ لرمي الردميات الناجمة عن الانفجار في رصيفي 14 و15 التابعين للحوض الرابع، يتبيّن انّ هذا الحوض بالذات هو من يشغل المرفأ ووحده من يؤمّن تفريغ البضائع والسفن. فماذا كان حلّ بلبنان لو تمّ السير بردم الحوض منذ سنتين؟
يؤكد رئيس الغرفة الدولية للملاحة ايلي زخور لـ»الجمهورية» انه لو تمّ ردم الحوض الرابع في السابق لكان ضاق المرفأ الآن أي بعد الانفجار، وبالتالي كان تعذّر استقبال البواخر وتفريغها. فالمرفأ يستقبل حالياً البواخر المحمّلة بالحبوب والقمح والحديد والسيارات وكل المساعدات العينية التي تصل الى لبنان في الارصفة 12 و13 و14 و15، والتي باستثناء الرصيف 12 تشكل جميعها الحوض الرابع.
أضاف: هذه الارصفة باتت صالحة للعمل بعدما تمكن الجيش من تنظيفها كلياً، وهي لا تدخل ضمن المنطقة الحمراء اي التي يضع القضاء العدلي يده عليها، على اعتبار انها مشمولة بالتحقيقات او مصنّفة مسرحاً للانفجار.
بالنسبة الى محطة الحاويات، يقول زخور: هنا أيضاً لطفَ الله بنا ولم تتضرر محطة الحاويات كثيراً، فمن اصل 15 رافعة هناك اليوم 8 رافعات تعمل والبقية تحتاج الى تصليح. اضاف: تشكل محطة الحاويات نحو 70% من عمل المرفأ، ولأنها لم تتضرر كثيراً فإنّ البضائع والمواد الاستهلاكية لم تنقطع من السوق، مؤكداً انه لو انّ هذه المحطة تضررت وتعطّلت لكنّا نَمرّ بمجاعة اليوم.
وعن البديل من الاهراءات يقول: مع تعطّل الاهراءات عمدت المطاحن الى نقل البضائع من البواخر مباشرة الى إهراءاتها الخاصة.
تابع: في السابق كان يتم إفراغ البضائع في العنبر او حاويات المرفأ، على ان يستلمها التاجر فور الانتهاء من معاملته، أما حاليّاً فيستلمها التاجر مباشرة من الباخرة ويرسلها الى مستودعاته الخاصة، وذلك بعد تخليص المعاملات اللازمة، صحيح أنه في هذه الحالة يوفر التاجر إيجار أرضية في المرفأ الا انه في المقابل زادت عليه أجور الشحن لأنه بات يدفع ثمن بقاء الباخرة في البحر طيلة مدة إجراء المعاملات، والتي تقدّر بنحو 4 ايام. امّا الأسعار فتختلف باختلاف وزن الشحنة.
وأوضح، رداً على سؤال، انّ مرفأ طرابلس ساعد مرفأ بيروت في هذه المرحلة إنما قدراته محدودة، فعلى سبيل المثال هو يملك رافعتين فقط في محطة الحاويات مقارنة بـ8 رافعات موجودة حالياً في مرفأ بيروت، ناهيك عن كلفة نقل البضاعة من طرابلس الى بيروت.
وفي هذا السياق، استغربت مصادر متابعة الحملة الاعلانية لمرفأ طرابلس التي انطلقت مؤخراً لتوحي وكأنّ البلد مقسوم وبأنّ مصائب قوم عند قوم فوائد، وقالت لـ«الجمهورية»: معيب ما يقوم به مرفأ طرابلس، فبدل ان تكون هناك عملية تكاملية بين المرفأين تصبّ لِخَير البلد نرى انّ هناك عملية تنافسية، ففي وقت لا يزال مرفأ بيروت يُلملِم جراحه يستغلّ القائمون على مرفأ طرابلس الأمر بإعلانهم انّ التعرفات المعتمدة فيه أقل من تلك المعتمدة في مرفأ بيروت. وشددت على انّ بيروت هي العاصمة والمركز المالي الاساسي في البلد.
إهتمام دولي بإعمار المرفأ
الى ذلك، أبدى عدد من الدول مؤخراً اهتماماً بإعادة إعمار مرفأ بيروت، مثل فرنسا وتركيا والصين، وعَزا زخّور الأمر الى الموقع الاستراتيجي لمرفأ بيروت في شرق البحر المتوسط، الى جانب اهتمام هذه الدول بأن يكون لها موطئ قدم في لبنان الذي يتمتع حتى الآن باقتصاد حر. وبالتالي، يمكن إدخال وإخراج الأموال منه بحرية بما يشكّل عامل جذب للمستثمرين، وحتى لو أقرّ الكابيتال كونترول فإنه لن يطال الأموال الجديدة fresh money.
ورأى زخور انّ الطريقة الأفضل لإعادة إعمار المرفأ تتمثّل باعتماد نظام «B.O.T»، حيث تقوم الجهة الفائزة بالطرح بإعادة بناء المرفأ وتُشغّله لمدة محددة ينصّ عليها العقد، على أن يُعاد المرفأ الى الدولة بعد انتهاء مدة التشغيل. ولفت الى انّ هذا النظام معتمد في كل دول العالم التي تنوي تطوير مرافئها، ومنها اليونان، التي بعد ان وقّعت عقد B.O.T مع شركة صينية لتطوير مرفئها ارتفع عدد الحاويات التي تستقبلها في العام من مليون الى 5 ملايين، لأنّ سمعة الشركات الخاصة اليوم أهم من سمعة القطاع العام وهي عامل جذب للدول.
ورداً على سؤال، أكد زخور انه لا يزال من المبكر اليوم السير بأيّ عقد تشغيلي لأنّ المرفأ لا يزال في مرحلة تقدير الأضرار ورفع الأنقاض، على انّ هذه الخطوة ترتبط بالتوجهات السياسية الخارجية والداخلية على السواء، ومدى جدية الدولة في السير بالإصلاحات. واعتبر زخور انه بما انّ المرفأ عاد الى العمل بقدرة تشغيلية بنسبة 70% فليس هناك حاجة مستعجلة لإعادة بنائه التي يمكن انتظارها حتى لو استغرقت فترة من الزمن.