تحولت مجموعة من الحاويات التي تحوي مواد خطرة جداً، والقابعة في مرفأ بيروت منذ العام 2009 الى لغز ينتظر الاجابات من أصحاب الشأن، إذ هناك «قصة» وراء هذه الحاويات، أو على الأقل هذا ما يبدو من خلال واقع انّ هناك من يستورد هذه المواد ويتركها في المرفأ! لا هو يسحبها، ولا الجمارك تبيعها أو تتخلص منها. هذا اللغز مستمر منذ 11 سنة. لماذا؟
اذا كانت نيترات الامونيوم التي فجّرت بيروت ودمّرتها قد وصلت الى مرفأ بيروت عن طريق «صدفة» تعطّل الباخرة التي كانت تشحنها من جورجيا الى الموزمبيق، إلّا انّ وجود 143 حاوية تحوي مواد كيمائية عالية الخطورة منذ العام 2009 في مرفأ بيروت، ليس من باب «الصدفة» نفسها، لأنّ تلك الحاويات قد تم استيرادها وفقاً لأذونات استيراد مسبقة صادرة عن وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع.
من أصل 143 حاوية التي تحوي مواد عالية الخطورة، وضع الجيش يده على 49 منها ويفاوض من اجل إعادة نقلها او تصفيتها خارج لبنان. كما تبيّن وجود 96 حاوية اخرى تتضمن ايضاً مواد كيمائية خطرة ولكن اقلّ خطورة من الحاويات الـ143 الاخرى، علماً انه ما زال هناك 850 حاوية لم يتم الكشف عليها بعد، وبالتالي قد يتبيّن مع الوقت وجود أكثر من قنبلة موقوتة في مرفأ بيروت.
اللافت في الامر انه تبيّن وجود 25 حاوية في مرفأ بيروت تابعة لشركة واحدة مقرّها صيدا، ما زالت في وضع سليم بعد انفجار المرفأ، كان قد تم استيرادها في الاعوام 2009 و2010 و2011 و2014 و2017 و2018 وقبعت في المرفأ منذ تلك الاعوام، ولم يعمد أحد على نقلها. ووفقاً لمانيفست تلك الحاويات، فهذه البضائع هي عبارة عن decorative substance، أي مواد زخرفية، إلا انها فعليّاً تتضمن مواد كيمائية شديدة الخطورة، مثل:
– مواد معرضة للاحتراق السريع ( substance liable to spontaneous combustion)
– سائل قابل للاشتعال flammable liquid
– غاز قابل للاشتعال flammable gas
– مواد صلبة قابلة للاشتعال flammable solids
– مواد ذاتية التفاعل Self-Reactive Materials
أسئلة عدة تطرح نفسها في هذا الاطار، وتؤكد وجود أمر خطير لا يتعلّق فقط بالاهمال بل عن سابق تصوّر وتصميم:
– مَن هم أصحاب تلك الحاويات؟ وتحت اسماء من دخلت الى مرفأ بيروت؟
– لماذا بقيت هذه الحاويات أعواماً في المرفأ، ولم يعمل احد على نقلها؟
– لماذا لم تطرح الجمارك تلك البضائع في المزاد العلني؟ علماً انه بعد مرور 6 اشهر من عدم إخراج الشركة المستوردة للبضائع، فإنه يحق للجمارك بيعها من اجل استيفاء رسوم الارضية وغيرها.
– لماذا لم تتم اعادة ترحيل تلك البضائع طوال تلك السنوات؟
– لماذا استمرّت تلك الشركة في استيراد تلك البضائع رغم انها لم تخرج أي شحنة منها من المرفأ منذ العام 2009؟
– هل كان يتم دفع رسوم الارضية لتلك الحاويات؟
لم يلقَ مدير المرفأ الجديد باسم القيسي ولا رئيس لجنة الاشغال النيابية النائب نزيه نجم الاجوبة الشافية عن تلك الاسئلة، فقررا إثارة هذا الموضوع في لجنة الاشغال وفي الاعلام، مطالبين القضاء التوسّع في التحقيق، وقيادة الجيش والنيابة العامة التحرك لمعرفة لِمن تعود ملكية بعض الحاويات بدءاً من المستورد وصولاً الى المستفيد، بالاضافة الى التحقيق مع الشركة التي تملك الـ 25 حاوية القابعة في المرفأ منذ العام 2009.
ووفق ما تؤكد مصادر معنيّة لـ»الجمهورية» فإنّ داتا الجمارك ما زالت موجودة وسليمة، وبالتالي فإنّ معرفة أصحاب تلك الحاويات أو على الاقل تحت أسماء اي شركات او افراد قد تم إدخالها الى المرفأ أمر متاح للقضاء ويجب التحقيق فيه، خصوصاً انّ الـ25 حاوية التي تحوي المواد الاكثر خطورة، والتي تقبع منذ 2009 في المرفأ، تعود الى شركة واحدة ومعروفة الهوية. واشارت الى انه على عكس نيترات الامونيوم التي تم تخزينها في المرفأ بسبب غرق السفينة التي كانت تحملها، فإنّ تلك الحاويات لم تصل الى المرفأ بالطريقة نفسها، بل تم استيرادها الى لبنان وعمد أصحابها الى إبقائها في المرفأ لأسباب مجهولة، «ولكن الأكيد انهم حصلوا على إذن مسبق لاستيرادها، إمّا من وزارة الداخلية او الدفاع، لأنّ استيراد اي مواد كيمائية يحتاج الى إذن مسبق».
وفيما اكدت المصادر انه لا يمكن ان يكون هناك أي حاوية مجهولة هوية صاحبها، لفتت الى انّ الاسماء قد تكون وهمية في بعض الاحيان في حال كانت البضائع مشبوهة.
واشارت الى استيراد شركة واحدة لعدّة شحنات، وعدم إخراجها من المرفأ يثير الشكوك ويؤكد وجود نيّة سيئة، «لأنه في حال استوردت هذه الشركة في المرة الاولى عدداً من الحاويات ولم تستطع إخراجها لسبب معيّن قد يكون عدم استيفاء البضائع للمواصفات المطلوبة، كيف يمكن ان تعيد الاستيراد على مدى السنوات الاخرى لشحنات اضافية ولا تخرجها ايضاً في المرفأ؟