إذا سلمنا جدلاً بأن منصب رئاسة الجمهورية مخصص للشيعة أو للسنة، هل كان بوسع أحد القفز من فوقه لاعتبارات قانونية أو دستورية، بما في ذلك هل إن لا مجال بعد اليوم لملء الفراغ الرئاسي لمجرد أن المسيحيين على خلاف بين بعضهم البعض، وهذا مرشح الحصول لأن يستمر لشهور ولسنوات طويلة، حيث أصبح من الواجب البحث عن حل، أي حل بمعزل عن التيئيس وما هو على وزنه، طالما ان الحل لن يأتي عن طريق المسيحيين أنفسهم. والمقصود هنا يفرض البحث عن حل ما، قبل أن يتحول المنصب الى مسخرة في ظل ما يريده رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد المتقاعد ميشال عون، لاسيما أن البقاء في مثل هكذا دوامة لا يشجع أحداً على الخوض في ترشيح نفسه، ليس لأن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع هو الخصم، بل لأن الناخب الشيعي ومثله الناخب السني هما الحكم؟!
وأي حكم هذا يتصرف على أساس تجنب الوصول من جانب أي مرشح إلى بعبدا، الأمر الذي يستدعي البحث عن مرشح ثالث أو رابع لا فرق، شرط أن تأتي مواصفاته بحسب النص الدستوري – القانوني، أقله بالنسبة الى منع حصول مقاطعة لجلسات الإنتخاب، التي لابد وأن تتكرر من جانب عون ومؤيديه، وهذا بدوره يتطلب حلاً على أساس تعديل نظام الترشيح، كي لا يقال ان هناك من لا يريد رئيساً، من مثل عون أو جعجع، بل ماذا يمنع رئيس مجلس النواب نبيه بري من إختراع مادة دستورية تجيز تخطي المقاطعة، كي لا يقال انه مسرور بعدم توافر النصاب للجلسات من الآن حتى نهاية المطاف!
المقصود هنا ما هي الموانع الدستورية والقانونية التي تحول دون حضور الجلسات من جانب هذا الفريق، لاسيما أن التكرار وارد، في حال لمست قوى 14 آذار ان الميزان يميل الى مصلحة «الجنرال» الذي يبدو مؤهلاً لأن يقاطع أكثر من أن يكون مؤهلاً لأن يحضر الجلسات، وهل ان قصد عون عدم ملء الفراغ عملاً بنصيحة حزب الله الشيعي وبعض أركان قوى 8 آذار من الذين يهمهم ألا يصل سمير جعجع الى بعبدا، من غير حاجة الى فرق بين رئيس وآخر، لمجرد ان الدستور ينص على كذا مادة وإجراء لانجاز الإستحقاق؟!
المهم في هذا المجال أن لا تبقى الجمهورية من دون رئيس، كي لا تصل الأمور الى أن يبقى مجلس النواب من دون رئيس شيعي، والعكس صحيح بالنسبة الى وصول رئاسة مجلس الوزراء الى الفراغ، ليس لأن ذلك مستبعد بل لأن الخلاف سيقال حينها ان الحق على المسيحيين، وهذا ليس في وارد الحصول، قياساً على العمل بمبدأ الصوت الواحد في إنتخابات رئاسة مجلس النواب، والأمر عينه ينطبق على العمل برئاسة مجلس الوزراء.
السؤال المطروح تكراراً هل هذا وارد بالنسبة الى المناصب غير المسيحية؟ المطلعون على تعقيدات الدستور يرون ان ثمة استحالة للوصل الى إنتخاب رئيس مجلس نواب أو رئيس مجلس الوزراء، لأن تحديد مجال الصوت الواحد في هذا الصدد يلعب دوره، ما يعني أن من الضرورة بمكان التخلي عن إجتهاد اكثرية الثلثين زائداً واحداً، كي لا تبقى الأمور في مكانها، أقله في حال أمكن لمجلس النواب عقد جلسة تشريعية، وهذا الأمر وارد طالما بقي المجلس سيد نفسه. وهو لابد سيد نفسه مهما إختلفت الإعتبارات السياسية أو التشريعية لافرق، حيث من الواجب تخطي بعض التعقيدات كي لا تبقى الجمهورية من دون رئيس!
وما هو أكثر أهمية يفهمه الرئيس نبيه بري على طريقته الخاصة، وهو سيد من عرف ويعرف كيفية التكويع في القوانين وكي لا تصل الأمور يوماً الى حد إتهامه بأنه يقف شخصياً وراء منع الإنتخابات الرئاسية. وهذا وارد ليس لأن الرئاسة للمسيحيين بل لأنها مكملة لغيرها من مؤسسات السلطة التنفيذية وكي لا تصل الأمور الى حد حدوث فراغ مؤبد في رئاسة الجمهورية، على أساس تمسك عون بموقفه مؤيداً من حلفائه الشيعة ومثله جعجع مؤيداً من حلفائه السنة كي لا نقول غير السنة أيضاً!
في مطلق الأحوال ليس بالضرورة إستمرار الصراع بين عون وجعجع كي لا تبقى الرئاسة فارغة من دون رئيس، بل لأن مثل هكذا صراع غير منطقي طالما انتفت الحاجة الى بديل بزيارة الصوت الواحد أو عدة أصوات. والمقصود هنا اعلان عون وجعجع التزامهما بالصوت الزائد مهما إختلف هذا الصوت وماذا اختلف مصدره،كي لا تستمر جرجره الرئاسة من غير حاجة الى إنتخاب رئيس، بحسب قول الرئيس نبيه بري وبحسب إجتهادات بعض من لم يعد يرى رئيساً للجمهورية طالما بقيت الأوضاع على ما هي عليه منشد غير منطقي للحبال السياسية شيعية كانت أو سنية، وفي الحالين من الضروري تخطي هذه العقد لما فيه مصلحة الرئاسة الأولى وكي لا يبقى المنصب تحت وطأة المتغيرات غير الواردة في الدستور والقوانين والأعراف؟!