في قراءة أولية لأصداء زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني علي لاريجاني ، وجدت مصادر ديبلوماسية مطّلعة، أنها حقّقت أكثر من هدف في وقت واحد، وذلك من حيث الرسائل المتعدّدة المضامين التي حملتها مواقفه وتصريحاته من القضايا اللبنانية الداخلية، كما من الأزمات الإقليمية المتراكمة، وفي مقدّمها الحرب الدائرة في سوريا. وفيما اعتبرت المصادر أن هذه الزيارة أتت استكمالاً لجولته في سوريا، حيث العنوان الرئيس للتحرّك الإيراني، أكدت أن تأييده العلني التام للحوار داخل القوى السياسية المحلية لحلّ أزماتها، يندرج في سياق الدعم المباشر للحوار ما بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، وذلك مع الحرص على الإيحاء بقدرة الحزب وفريق الثامن من آذار خصوصاً، على إعادة التواصل الإيجابي مع القوى «الفاعلة» على الساحة الداخلية لتفويت الفرصة على أي سيناريوهات تفجير مرسومة للبنان، وتستهدف استقراره من قبل المجموعات الإرهابية والتكفيرية التي تريد ضرب المقاومة في لبنان، أو في أي منطقة أخرى.
لكن البارز في جولة لاريجاني لبنانياً وسورياً تقول المصادر، هو التأكيد على استحالة الحل الأمني والعسكري في سوريا، وبالتالي رفض إيران للأسلوب المعتمد من قبل الولايات المتحدة الأميركية، التي تعمل تحت غطاء التحالف الدولي لضرب تنظيم «داعش»، ولكنها تساهم في تغذية التيارات المتطرّفة في سوريا، كما في بلدان أخرى، وتحت عدة عناوين. وأضافت المصادر نفسها، أن الموقف التصعيدي من واشنطن وسياستها في المنطقة، لا ينسحب على المفاوضات الإيرانية مع الدول الغربية بشأن البرنامج النووي الإيراني، موضحة أن إيران ترفض أي تنسيق أو تعاون مع التحالف الدولي في حربه ضد الإرهاب، ولكنها في الوقت نفسه، تعمل بدورها على مواجهة «داعش»، كما سائر القوى المتطرّفة في العراق كما في سوريا، وصولاً إلى لبنان.
وفي هذا المجال، فإن الإشادة الإيرانية اللافتة بتيارات المقاومة في لبنان، أو بحركات المقاومة الفلسطينية، تحمل رسالة مباشرة إلى واشنطن تضيف المصادر، لجهة رسم خطوط حمر أمام استمرار الدعم الأميركي لإسرائيل في الدرجة الأولى، ثم التأكيد أن أي انخراط في الاستراتيجيات الإقليمية أو الدولية لمحاربة الإرهاب، لن يتم إلا وفق المعايير والحسابات الإيرانية، وليس من خلال ما يطرحه التحالف الدولي على أكثر من مستوى وبشكل خاص في سوريا. وأضافت المصادر نفسها، أن الاستراتيجية الإيرانية تركّز أولاً على الحل السياسي للأزمة السورية، والانطلاق من هذا الحل لمقاربة باقي القضايا المطروحة على طاولة التفاوض مع الغرب وهي متعدّدة، وأبرزها البرنامج النووي الإيراني.
أما في ما يتعلّق بالواقع اللبناني، فاعتبرت المصادر ذاتها، أن الدعم الإيراني لـ «حزب الله» قد بلغ مرحلة الإعلان وبعبارات مختارة بعناية، عندما وصف الحزب بالتيار الفاعل في منطقة الشرق الأوسط، وليس فقط في لبنان أو في سوريا، وكذلك عندما أكد أن هناك منظّمات فعّالة أكثر من بعض الدول في المنطقة. في المقابل، فقد حرص لاريجاني، كما أكدت المصادر الديبلوماسية، على توجيه دعوة مباشرة للملكة العربية السعودية ومن العاصمة اللبنانية تحديداً، لإعادة بناء جسور الثقة بينها وبين بلاده. وكشفت أن مباركة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني للحوار بين الحزب و«المستقبل»، يأتي في سياق ترجمة الموقف الإيراني تجاه الرياض عبر الساحة اللبنانية، معتبرة أن أي تقارب مستقبلي ما بين الرياض وطهران سينعكس بشكل مباشر على الملفات اللبنانية لجهة رفع مستوى التواصل والتنسيق بين الحزب و«المستقبل»، وذلك إلى حدود تخطي المحادثات بينهما السقف المرسوم سلفاً لها، وهو تحصين الاستقرار ومنع الفتنة إلى الدخول في تسوية سياسية تسمح بحصول انفراجات تبدأ بالأزمة الرئاسية وتمتد إلى عناوين خلافية أخرى غير مطروحة الآن على طاولة الحوار.