IMLebanon

مواقف تؤسس لانقسام طائفي

الاشارات والدلائل والوقائع التي تشير الى ان لبنان يمشي بخطى سريعة نحو التفكك والانهيار، ليست بحالتي التعطيل والفراغ، ولا في تحكّم الفساد بأوصال الدولة، او في الفلتان الامني، وسوء حالة الاقتصاد، او في قيام دويلات على حساب الدولة الشرعية، وليست بسبب الفضائح التي ازكمت الانوف، الى درجة ان اسراب البرغش انطلقت من مرتعها في النفايات، هربا من الروائح الكريهة، ولا بسبب اعداد اللاجئىن والنازحين المليونية ولا لأي سبب اخر، بل لأن هناك بداية كارثة بدأت تطلّ برأسها تتمثّل بنمو حالة من الشعور الطائفي، الذي يتقدّم على الشعور الوطني، ومن المؤسف والمؤلم، انه ينطلق من الادارات العامة والوزارات، وحتى من مجلسي الوزراء والنواب، وقد يمتد سريعا الى الشارع، ان لم تبرد الرؤوس الطائفية والمذهبية، التي هي في مركز المسؤولية، وتعرف جيدا ان سياسة الاقصاء والتهميش وأكل الحقوق وتجاوز المنطق والاستخفاف بالمطالب المحقّة، نتيجتها، احتقان عند من تطولهم هذه السياسة، لا يستبعد ان ينفجر في اي لحظة، اذا استمر الشريك في الوطن في الايغال بهذه السياسة المتفجّرة.

* * *

وحتى لا يبقى الكلام في العموميات، يجب وضع النقاط على الحروف، من منطلق الحرص على الوحدة الوطنية، وتنقيتها من الشوائب التي بدأت مع الوصاية السورية على لبنان، ومستمرة بعدها.

الغريب في الامر ان الكل في لبنان يعرف مدى الاذى الذي لحق بالمسيحيين ايام الاحتلال السوري، وفي مقدمة هذا الكلّ، رئىس مجلس النواب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء تمام سلام رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وهؤلاء هم القيادات الرئيسة للشريك المسلم في الوطن، وتقع عليهم مسؤولية تصحيح الظلم والخلل اللذين الحقهما النظام السوري بالمسيحيين طول 16 سنة، لا ترسيخهما بتعيينات او مناقلات في الادارة العامة لها طابع الفئوية والطائفية، ولا الاستمرار في تجاهل الانماء المتوازن الذي غاب تماماً ايام النظام الامني اللبناني ـ السوري، وتحويل اموال الوزارات واعمالها ومشاريعها بنسبة عالية جداً الى مناطق معينة ذات اغلبية اسلامية، وحرمان المناطق الاخرى، او تمنينها بالفتات الذي يعطى لها، والاغرب في هذا الواقع غير الوطني وغير الميثاقي، ان اي مطالبة من المسيحيين بوجوب تصحيح هذه السياسة الخطرة، او حتى لفت النظر اليها، تواجه فوراً بالاتهامات والنعوت التي تزيد طين الحقد بلّة، بدلاً من تفهّم هذه المطالبات، والانكباب على معالجتها سوياً في حوار مفتوح صادق محبّ، ووقف التعليقات الطائفية المسمومة التي تصدر عن بعض الوزراء والقيادات التي يفترض انها وطنية ومعتدلة ومعنية بصيغة العيش المشترك التي ثبتها دستور الطائف، ولم يتم التقيد بها الاّ بالكلام، بمثل ما يتم عدم التقيّد بتنفيذ اللامركزية الادارية الموسّعة، التي قد تكون مدخلاً لاغلاق موضوع الحرمان الذي يلحق بالمسيحيين حالياً.

في نهاية الامر، على الشريك المسلم ان يفصل نهائياً بين مطالبة المسيحيين بالمساواة والعدل، وبين نظرته الى العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع والرئيس امين الجميل، في السياسة او الرئاسة او اي شيء آخر، لأن هذه مطالب المسيحيين وليس مطالب مسيحيين، وهؤلاء يحملون امانة اثارتها.