صديقاتي الغربيات، جميعهنّ تقريباً، بتن يمارسن اليوغا، يأكلن الطعام الأورغانيك، ويحلفن بفوائد التأمل. صديقاتي الغربيات، جميعهنّ تقريباً، يستمعن الى أوشو على اليوتيوب، يستشهدن بكلام بوذا، ويتبعن قواعد العقلية الإيجابية التي تفضي الى السلام الداخلي. صديقاتي الغربيات، أحسدهنّ من كل قلبي، وأشعر كلما قرأتُ تعليقاً لهنّ على “فايسبوك” أو “تويتر”، أنني بومة أو غراب، أنا المقيمة في بلد منحوس في منطقة منحوسة في زمن منحوس.
وبعد: كلما فتحتُ اللابتوب، تطلع لي دراسة جديدة تشرح فوائد الإبتسام وعدم الإستسلام لليأس. العقلية الإيجابية، على ما يبدو، تشفي الأمراض وتزيد النشاط وتخفف التوتر وتملّس البشرة وتسرّع عملية الهضم وتطيل العمر. أقرأها، هذه الدراسات، فلا يسعني إلا أن أهزّ رأسي وأفكّر: من أين لنا، نحن شعوب العالم المقهورة، أن نبتسم، أو حتى أن “نفتعل” الابتسام، بينما نتعرض يوميا للانتهاك والإهانة في حقوقنا البديهية؟ من أين لنا أن نبتسم وثمة قتلى يسقطون يوميا في سوريا وفلسطين والعراق؟ فضلاً عن القتلى الذين يتساقطون إما تفجيراً، وإما يأساً ومرارةً وهجرةً في لبنان؟
“ليس مسموحاً الاستسلام”، تؤكّد صديقاتي الغربيات، اللواتي بدأن بدورهنّ يشعرن بالموس على رقابهنّ بعدما وصل وباء الارهاب والذعر الى بلدانهنّ. أسمعهنّ وأفكّر رغماً عني: فلنرَ كم يصمد “بوزيتيفكنّ” بعد أربعة عقود من هذا القرف؟!
رغم ذلك، أريد حقاً، ومن كل أعماقي، أن أكون “بوزيتيف”، غصباً عن سلطة الواقع وجبروته. أن أقنع نفسي بأن الابتسام دواء. وبأني لا محالة سأشفى، كما سيشفى غيري. أريد أن أصدّق أننا سنستردّ ابتساماتنا المسروقة، ماضياً وحاضراً، مع كل مفاعيلها الرجعية. أننا سنسترجع طفولاتنا ومراهقاتنا وشبابنا، وكل ما فاتنا من خفة وفرح. كيف؟ لا أعرف. لكني أعرف أنه ينبغي لنا استعادة ما سُرِق منا. بالأظفار. بالأسنان. بالعيون. بالهِمَم. بالصراخ. وبالعناد.
أنتنّ على حقّ يا صديقاتي الغربيات: علينا أن نحاول البقاء “بوزيتيف” رغم صنّاع الموت واليأس والتشاؤم ورافعي رايته في حياتنا اللبنانية والعربية. علينا أن نحاول البقاء “بوزيتيف” رغم الإرهابيين الداعشيين، والإرهابيين غير الداعشيين، والانتحاريين، والمجرمين، والكَذَبَة، والمتاجرين بأعصابنا وحقوقنا. رغم التهديدات بالتفجيرات هنا وهناك، وانقطاعات الكهرباء، وفواتير المولّدات، وسيترنات المياه، وجُوَر الطرق، وعجقات السير. علينا أن نظل “بوزيتيف” الى أن يصحّ الصحيح… أو الى أن يكتشف عالمٌ ما فوائد العقلية النيغاتيف على القلب والبشرة والأعصاب، فيحين دوركنّ أن تحسدوني، أن تحسدونا.