يترقب الافرقاء اللبنانيون، عموماً، بشيء من الصبر و«طول البال» ما ستؤول اليه اتصالات رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، العماد ميشال عون ونبيه بري، بشأن مرحلة ما بعد استجابة رئيس الحكومة سعد الحريري لتمني الرئيس عون «التريث في تقديم استقالته والتشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية».
الأجواء السياسية، الداخلية عموماً، توحي، بأن مرحلة ما بعد عودة الحريري الى بيروت، وما رافقها من مواقف ايجابية ومرحبة و«متفهمة» من غالبية الافرقاء اللبنانيين، لن تكون كما قبلها، خصوصاً وأن الحرص على الاستقرار الداخلي، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني تصدر واجهة الاتصالات الداخلية – الداخلية، والداخلية – الدولية والدولية – الدولية.. وفي هذا، فإن الرئيس العماد عون، بالتنيسق مع الرئيس نبيه بري وسائر حلفائه، بدأ بأعداد تصور مبدأي، لما ستكون عليه مرحلة الحوار او «النقاشات» المطلوبة، بهدف تلبية «شروط» الرئيس الحريري التي استند اليها للتجاوب مع تمني الرئيس عون و»التريث بالاستقالة..».
المسألة، ليست سهلة على ما يتصور البعض، لكنها ليست مستحيلة، وان لم تبث نهائياً بعد مسألة الحوار المطلوب، وكيف سيكون شكلا ومضموناً وأين؟! فهل يستنسخ صورة الحوارات السابقة أم ان تعديلات ستدخل عليه، وما هي الموضوعات التي سيتناولها؟ وهل «سلاح حزب الله» سيكون مادة أساسية، أم تعالج المسألة بطريقة أخرى عبر ما يسمى بـ«الاستراتيجيا الدفاعية» تجنباً للعديد من الاحراجات؟! وهي مسألة لفت اليها وزير الداخلية نهاد المشنوق، ليل أول من أمس، مؤكداً ان السلاح لن يكون مادة في الحوار، بل الاستراتيجيا الدفاعية التي ستحيط بالمسألة بشكل أكثر عمقاً وشمولية..
اللافت أكثر، ان فريق الرئيس عون، وبناء على توجيهات مباشرة منه، بدأ باعداد «مسودة مبادئ» لعلاقات لبنان الخارجية وتحديداً العربية، بهدف ايضاح الصورة وتوفير الغطاء العربي، الدولي، للمرحلة الآتية، وهي تتجاوب، نصاً وروحاً، مع المبادئ التي قام عليها البيان الوزاري لحكومة الوفاق الوطني برئاسة الرئيس الحريري، وتمثل أحد أبرز شروط العودة عن الاستقالة وخلاصتها ما يلي:
1- ان لبنان يرفض تهديد أمن وسيادة الدول العربية الشقيقة كافة، ومن دون تمييز بين دولة وأخرى..
2- التشديد على مبدأ «النأي بالنفس» عبر صيغة، متكاملة، تستند الى ابعاد لبنان عن نيران الازمات المحيطة، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة وغير مرتهنة لأي محور او لأي فريق.. ورفض الاملاءات الخارجية، أياً كان مصدرها؟!
3- التركيز على الاعتداءات والاستهدافات والتحديات والخروقات الاسرائيلية اليومية لسيادة لبنان، براً وبحراً وجواً، وضرورة صياغة «استراتيجيا دفاعية» فاعلة ومؤثرة تشكل جداراً صلباً في مواجهة هذه الاعتداءات والاستهدافات والانتهاكات، من دون ادارة الظهر الى أهمية الدور الدولي في وضع حد لمثل ذلك.. خصوصاً أكثر، ان «حزب الله»، قيادة وقواعد بشرية وبيئات حاضنة هو في مقدمة، الاستهدافات الاسرائيلية وغيرها..
4- التأكيد على بقاء «لبنان واحة سلم وسلام، والا ينتقل بهوي وحسابات وأغراض ومصالح البعض والبعض الآخر، الى ساحة صراعات وتجاذبات، قد تتطور الى ساحات قتل وقتال.. لن تبقى محصور في الداخل اللبناني، بل ستؤثر على استقرار دول المنطقة كافة..
5- التشديد أكثر من أي وقت مضى على «الوفاق الوطني» و«اتفاق الطائف»، ومبدأ المشاركة الحقيقية والمناصفة والفاعلة (لا الصورية) في الحكم بين اللبنانيين كافة، بعيداً عن العددية..
الاجابات الأولية، المبدئية، التي تلقاها الرئيسان عون وبري، حتى الآن، توحي بأن «الطريق سالكة وآمنة»، على رغم محاولات البعض تفخيخ ما آلت اليه الامور، على رغم دعوة «المستقبل» الى «اعادة الاعتبار الى مفهوم النأي بالنفس عن الحروب والصراعات المحيطة، والامتناع عن كل ما يسيء الى علاقات لبنان بأشقائه العرب، ورفض تدخل أي جهة لبنانية او اقليمية في الشؤون الداخلية للبلدان العربية..».
بعد لقائه الرئيس نبيه بري (الاربعاء الماضي) حرص الرئيس الحريري ان يصحح مفهوم «النأي النفس» الذي يحصره عديدون بـ»حزب الله» وبعض حلفائه ليؤكد «أن النأي بالنفس يجب ان يكون على الجميع، وليس على فريق واحد (وأنا أتكلم عن كل الافرقاء السياسيين وليس عن فريق سياسي واحد)، وهذا الامر يحصن علاقاتنا مع أشقائنا العرب ويضع لبنان في الموقع الذي يستطيع فيه ان يكون لديه حوار واضح مع الجميع خصوصاً في الخلاقات الاقليمية..».
لقد أعطى الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، في طلته الاعلامية الاخيرة مؤشرات بالغة الأهمية والدلالة، تؤكد عدم انخراطه في اليمن والكويت، وتلوح الى احتمال الانسحاب من العراق ومن سوريا مع بداية انتهاء الحرب على «داعش».. وقد أظهرت كتلة «الوفاء للمقاومة» «ارتياحها الكبير لمآل التطورات السياسية (الاخيرة) في لبنان، ورأت «ان عودة رئيس الحكومة الى البلاد والتصريحات الايجابية التي صدرت عنه، والمسار الايجابي الذي تسلكه المساعي والمشاورات تبشر بامكانية عودة الامور الى طبيعتها..» مع التشديد على ان اللبنانيين هم الذين يصوغون قراراتهم وان «حزب الله» يتشارك مع كثيرين ممن نتعامل معهم داخل الحكومات وخارجها.. لكن السؤال يبقى من أين نبدأ، ومتى وكيف والى أين؟! خصوصاً وأن البعض يرى ان المطلوب اتفاق وطني واضح أبعد من «تسوية» لأن التسوية تعني ان هناك أموراً تبقى معلقة وهشة؟!