حين طغى مشهد الاحتجاج الشعبي على “بازل” الكواليس السياسية، كان “أولياء أمر” حكومة حسّان دياب من القوى السياسية الداعمة له، لا يملكون تصوراً واضحاً عما ستؤول إليه الأمور بعدما انفجرت على المستويين، السياسي وفي الشارع.
حتى “حزب الله” المفترض أنّه أكثر حرصاً على الاستقرار الاجتماعي والأمني، حماية لمشروعه السياسي، والأكثر قدرة على “المونة” على حلفائه، وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، لم يكن ليستطيع التكهن بما ستحمله الأيام القليلة المقبلة، وليس بمقدور مسؤوليه الجزم بمصير “شبه المبادرة” التي يقودونها على خطّ التأليف، ولا بطبيعة السيناريوات المحتملة في حال بقيت المشاورات معطلة ومفخخة.
وحده صوت الشارع ارتفع بالأمس ليعيد إحياء مشاهد إحراق الدواليب وإقفال الطرقات، بعدما ضمّ مربع حسان دياب في منطقة تلّة الخياط، إلى “القائمة السوداء”، فتمّ “تزنير” مقر رئيس الحكومة المكلف بسياج عسكري منعاً لاقتحامه من جانب المحتجين.
في هذه الأثناء، كان باسيل يخترق خطوط التماس التي قامت بينه وبين عين التينة، ليلتقي الرئيس بري رغم الفتور، لا بل التوتر الذي ساد العلاقة الثنائية خلال الأيام المنصرمة، ربطاً بالثلث المعطل الذي يتردد أنّ رئيس الحكومة المكلف جيّره لمصلحة الفريق العوني. وذلك قبيل المؤتمر الصحافي الذي “توّعد” باسيل بتفجيره ردّاً على “سلوك” دياب “التأليفي”، كما دأب العونيون على تأكيده خلال الأيام الماضية.
ومع ذلك، تشير المعلومات إلى أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” حرص على “طمأنة” رئيس المجلس بأنّ التصعيد المتدحرج الذي كان “التيار” بصدد اعتماده، ليس موجّهاً ضدّ بري، على اعتبار أنّ الفريق العوني متيقّن أنّ انزعاج رئيس المجلس من سلوك رئيس الحكومة المكلف وتهديده بحجب دعمه النيابي، هو تعبير عن رفض بري لتدعيم الحصة البرتقالية بثلث معطل، وبالتالي سيُفهم التصعيد العوني على أنّه ردّ على الردّ.
لذا، قصد باسيل عين التينة من باب التصويب المسبق لما ينوي الادلاء به بعد اجتماع “تكتل لبنان القوي”، وإزالة الالتباسات التي عكّرت صفو مشاورات التأليف. وبالفعل، فقد تبيّن أنّ بين الرجلين الكثير من “المغالطات” التي نقلت بشكل غير مقصود فتمّ توضيحها تسهيلاً لعودة الحرارة إلى خطّ التواصل الثنائي.
الأكيد أنّ “مصيبة الانزعاج” من أداء دياب جمعت بري وباسيل على خطّ وسطي، فقزا إلى مقلب التشجيع على “تطيير” رئيس الحكومة المكلف، ولذا لم يتوان رئيس “التيار الوطني الحر” عن التلميح خلال مؤتمره الصحافي إلى أنّه لا يمكن لرئيس الحكومة المكلف النوم على حرير التكليف، الذي يمكن إسقاطه، إمّا في الشارع وإمّا في المجلس من خلال حجب الثقة، بشكل يثبت أنّ باسيل يردّ بشكل واضح على ما نقل عن دياب بأنّ التكليف في جيبه وعلى القوى السياسية التعامل مع هذا الواقع.
عملياً، وعلى خطّ التأليف، كان “حزب الله” وحده المتحمّس لخيار حسّان دياب، ليس حبّاً به وإنما لانعدام الخيارات الأخرى. جلّ ما يريده هو استقامة العمل الحكومي بأسرع وقت ولذا كان متجاوباً مع مطالب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري حين كان الأخير يفاوض على عودته، كما كان متفهّماً لمطلب دياب بنزع الدسم السياسي عن حكومته لأن ما يريده هو “أكل العنب وليس قتل الناطور”. ولكن حين تكون العقدة في خشبة الحلفاء، يصير الشغل أصعب.
الحريري عاد إلى بيروت على وقع غليان الشارع من جديد، وتذمر بري وباسيل من رئيس الحكومة المكلف. ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ طريق الحريري للعودة إلى السراي رئيساً مكلفاً معبدة بالورود، ولو أنّه يعتقد أنّ بامكانه اسقاط ظروف تكليف دياب وشروطه، عليه، بمعنى تأليف حكومة من الاختصاصيين. لكن عودة الحريري إلى مربع التأليف ستدفع باسيل إلى تغليب خيار حكومة التكنو سياسية ليعود بدوره إلى قصر بسترس، وبالتالي اعادة احياء معادلة الحريري- باسيل. ولذا يبدو الاحتمال مستبعداً، أقله في المدى المنظور.
ورغم السوداوية التي تحيط بالمشهد الحكومي، يقول راصدو مشاورات التأليف إنّ الاعتدال الذي اتسم به كلام بري أول من أمس وكلام باسيل أمس، بعدما كان يفترض أنّه بصدد “تفجير” قطار التأليف، وقبله دخول رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على خطّ “الترشيحات” الدرزية للتوزير… كلها عوامل تدل على تراجع منسوب التشاؤم لمصلحة ارتفاع منسوب التفاؤل.
وبالفعل، فقد سرت معلومات أنّ “حزب الله” نجح في اختراق الحواجز القائمة بين القوى الداعمة لحكومة دياب، بشكل قد يسهل ولادتها بعدما جرى تذليل الكثير من العقبات التي كانت تحول خلال الساعات الماضية دون وقوف دياب طالباً الثقة. بالتوازي يقرّ أحد نواب “تكتل لبنان القوي” بأنّ ثمة اشارات ايجابية يمكن البناء عليها لإعادة تفعيل خطّ المشاورات.