Site icon IMLebanon

أفعالٌ ممكنة بدل السجالات العقيمة

 

لنحسم أمراً بديهياً. وهو لا يحتاج، حتى إلينا نحن كصحافيين، الكثير من التدقيق، حيال الجهود الجبّارة التي بدأها أعداء المقاومة منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحراك للتصويب على سلاح حزب الله، وعلى شيطنة السيد حسن نصرالله. ومن ينفي ذلك، فهو إما أعمى أو «مستهبل»، إن لم يكن أكثر!

لكن، لنعُد إلى أصل الأزمة، حيث المشكلة الكبرى مع الفريق الحاكم في لبنان. وهو فريق يجدّد خلاياه عقداً بعد عقد وجيلاً بعد جيل. وفي كل مرة يحصل فيها تعديل في التمثيل الاجتماعي، سرعان ما يندمج الجديد بآليات عمل القديم، حيث الفساد هو عامود خيمة النظام في لبنان. والفساد، هنا، يعني كل شيء. يعني قانون الانتخابات وتشكيل الحكومات وتعيينات المدراء العامين والمسؤولين عن السلطات العامة، قضائية ومدنية وإدارية وعسكرية وأمنية. والفساد هو في كيفية إطلاق إعلام موالٍ أعمى، وطبقة من رجال الدين الذين يمضون ساعات طويلة في مراجعة دروس علماء البلاط. ويحتاج إلى شراكة مع قطاع اقتصادي وتجاري ومالي له حظوته أيضاً، وله دوره في تقاسم الحصص.

في مرحلة ما بعد توقف الحرب الأهلية، قامت سلطة على أعمدة شبيهة بالتي كانت سابقاً. التبديل الأكبر حصل على مستوى تمثيل فرقاء وقوى اجتماعية، كما هي الحال عند السنّة والشيعة وقسم من المسيحيين. ومن ثم قامت سلطات على أنقاض الدولة السابقة. لكنها سلطات ظهر، مع الوقت، أنها متأثّرة بكل سلبيات الحرب الأهلية لناحية العلاقة بالقانون العام وأدوات الحكم، ولناحية الأخلاق وعدم احترام الناس. وبالتالي انطلقت أكبر عملية نهب للقطاع العام. تلت أوسع عملية استيلاء على السلطة بحجم تمثيل من قاتل في الحرب الأهلية. وما حصل من إبعاد وإقصاء لهذا الخصم أو ذاك، تم تصحيحه بعد 13 عاماً. أما من عاد إلى الحكم من بقية شركاء الحرب الأهلية، فقد أراد حصته من الدولة بمفعول رجعي. فكنا أمام عملية استيلاء جديدة بحجة استعادة الحقوق. وشهدنا في الوقت نفسه مقاومة من الآخرين بحجة عدم خسارة المكاسب. لكن النتيجة واحدة، وهي أخذ البلاد إلى الانهيار التامّ.

هذا يعني، ببساطة، أن من تعاقب على إدارة الدولة خلال الفترة الممتدة من عام 1992 حتى اليوم، لم يكن إلا شريكاً في هذا الانهيار. وبالتالي، فإن محاسبته واجبة حكماً لإعادة الاعتبار إلى مفهوم الدولة، وإفساح المجال أمام تغييرات جدية تفتح الباب أمام استعادة أمل اللبنانيين بدولة. وهو ما دفع الناس إلى عدد كبير من الاحتجاجات المتفرّقة، حصلت تحت عناوين مختلفة، وكان السبب الرئيس للاحتجاج القائم اليوم، والذي إن تعرض للانهيار، فإن عناوينه ستبقى قائمة، وسيعود من جديد في وقت قريب. لذلك، فإن من يريد حفظ البلاد ومنع الانهيار، عليه المسؤولية الكبيرة. وهنا النقاش مع حزب الله.

هل هناك ما يمنع اجتماع المجلس النيابي فوراً، في جلسة مكثّفة لا تتأخر، يقر فيها قانون استعادة الأموال المنهوبة وقانون رفع الحصانة عن المسؤولين ورفع السرية المصرفية عن كل الموظفين في القطاع العام؟ هل هذا ممكن؟ نعم ممكن. وفي مقدور أهل السلطة، إن كانوا جادّين، إرسال رسالة إلى الناس بأنهم يريدون التغيير. وهنا، يجدر بحزب الله أن يغلق مجلس النواب على من فيه حتى ينتهوا من إقرار هذه القوانين. ومن ثم المساعدة مع بقية الجادّين في محاربة الفساد، على تشكيل هيئة قضائية مستقلة، تتولى إدارة المراسيم التطبيقية لهذه القوانين.

 

هل هناك ما يمنع اقرار المجلس النيابي فوراً قوانين استعادة الأموال المنهوبة ورفع الحصانة عن المسؤولين والسرية المصرفية عن موظفي القطاع العام؟

 

وإذا كان أهل السلطة صادقين بالتعاون، ألا يمكن تجميد الحسابات المصرفية لكل من مرّ في الدولة أو عمل معها لفترة زمنية تسمح بالتدقيق والتحقيق… بلى يمكن ذلك!

ألا يمكن الاجتماع والاتفاق على تعديل وزاري كبير، ينتهي على شكل تغيير حكومي، يكون هدفه اختيار ثلث الحكومة من أشخاص غير خاضعين لسلطة أي من القوى السياسية الحاكمة، ويتولون بالتساوي مسؤولية حقائب تهم الناس بشكل يومي؟ بلى يمكن ذلك، وهو أمر لا يحتاج إلى جهد كبير، إذا ما قرر حزب الله ومعه الرئيس ميشال عون التصرف بجدية وحزم مع كل الشركاء الآخرين.

ألا يمكن تشكيل هيئة وطنية لإعادة الاعمار تتولى الإشراف على التخطيط وتنفيذ المشاريع الكبرى، بالتعاون مع الشركات الخاصة لا تحت إمرتها؟ بلى يمكن ذلك، وخلال ساعات…

ألا يمكن تغيير حاكم مصرف لبنان، والشروع بخطوات لإعادة تنظيم السياسة النقدية، بما يحول دون الانهيار المالي، ويفتح الباب أمام علاجات من نوع آخر؟ بلى يمكن وفي أقل من ساعة.

لا يُهدّئ من روع الناس المقهورين سوى إجراءات من هذا النوع. ولا يُعطّل مؤامرة الأعداء بحرف الحراك نحو ملفات سياسية إلا إجراءات من هذا النوع. ولا يُعطّل أدوات الخارج، السياسية والإعلامية والحزبية، إلا خطوات بهذا الحجم.

أما البقاء في دائرة السجالات التي تُبقي الناس والبلاد رهينة السلطة نفسها، حتى لو بدّلت وجوهها ألف مرة، فلن ينفع في إقناع أحد بالخروج من الشارع. وحتى لو خرج الناس الآن، فسيعودون مرة جديدة، لكن مع قدر أعلى من الغضب والعنف الذي لن يترك حرمة لشيء!