Site icon IMLebanon

جراحات محتملة في الشرق الأوسط؟

 

لا بد من الاعتراف بحق الأكراد في تقرير مصيرهم ونيلهم الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية. لقد دفع الأكراد على امتداد القرن العشرين وحتى الآن أثماناً باهظة من الاضطهاد والحرمان من الحقوق. تعاقب على هذا الحرمان ثلاث قوميات فاشية وعنصرية: القومية العربية ممثلة بحزب البعث في العراق وسورية، والقومية التركية منذ الأتاتوركية وصولاً إلى الأردوغانية وما بينهما من سلطات، والقومية الفارسية، سواء في عصر الشاه أم في عهد الجمهورية الإسلامية من دون تمييز. مُنع على الأكراد تسنم وظائف أساسية في الدولة، وجرى التعاطي معهم بوصفهم مواطنين من الدرجة الخامسة. خلقت هذه المعاملة انبعاثاً في الشعور القومي لدى الأكراد، وسعياً إلى المطالبة بحكم ذاتي وصولاً إلى الاستقلال الكامل نحو دولة كردستان الممتدة من العراق إلى إيران وسورية وتركيا، مع وجود في كازخستان وبعض دول المعسكر الاشتراكي سابقاً.

بعيداً من المنطق المؤامراتي الذي يتقنه الحكام الديكتاتوريون في الشرق الأوسط، عرباً وأتراكاً وفرساً، باتهام كل معارضة بالخيانة وبالعمالة وصولاً إلى النغمة الأخيرة بولادة إسرائيل ثانية، متناسين أن الأكراد ليسوا مهاجرين أو مستوطنين، بل هم جزء من النسيج الوطني والاجتماعي لبلدانهم، بعيداً من كل ذلك، هناك تساؤلات عن الأسباب التي دفعت أكراد العراق إلى الذهاب بعيداً في الدعوات الاستقلالية عن العراق، على رغم كونهم يتمتعون بالحكم الذاتي منذ 1991، والمحمي بالنفوذ الأميركي منذ ذلك الوقت.

الباعث على طرح احتمال التغييرات الجغرافية والسياسية، لا ينطلق من العراق فقط، إنما الباعث عليه هو موقف تركيا وإيران من الاستفتاء، وقرع طبول الحرب وإمكانات التدخل العسكري في كردستان بما يذكر بالاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا أيام ربيع براغ عام 1968. من الطبيعي أن يثير انبعاث القومية الكردية في العراق الخوف التركي والإيراني من المجموعات الكردية المضطهدة في البلدين، لكون تركيا تضم حوالى عشرين مليون مواطن كردي، فيما إيران تضم حوالى سبعة ملايين. كانت لافتة مظاهر الفرح التي عمت المناطق الكردية في إيران بنجاح الاستفتاء.

ما الذي يعنيه قرع طبول الحرب ضد كردستان العراق من دول الجوار؟ إنه يعني بكل بساطة انتقال الحروب الأهلية إلى البلدان الثلاثة. وهي حروب يصعب أن تفلت منها هذه البلدان وتبقى دولاً مركزية موحدة. إذا كان العراق يعيش تقسيماً واقعياً منذ عقد ونصف، فإن لجوءه إلى الحرب لن يجنبه مزيداً من الانقسام داخل مجموعاته الأخرى، شيعية أكانت أم سنية. فلا وحدة موقف عراقي من عمل عسكري تجاه كردستان. أما المفاجآت فقد تأتي مما سيحصل في تركيا وإيران. إن تدخلاً عسكرياً تركياً لاحتلال كردستان، كما يجري التهديد، سيشكل بداية تفكك تركيا نفسها. لم تخرج تركيا من الصراع مع حزب العمال الكردستاني بعد، وتصعيد الصراع مع أكراد العراق سيؤجج ويلهب المشاعر القومية الكردية بعد النشوة التي تجرعتها من التأييد الكاسح للاستفتاء. سيكون أردوغان مخطئاً كثيراً إذا ما غامر بالتدخل العسكري، لأن هذه المغامرة ستسبب له اضطرابات داخل تركيا، لا تقتصر على الأكراد بل تطاول مجموعات أخرى مثل العلويين. فهل سيشكل التدخل بداية تفكك تركيا، فتشهد مطالبات بالانقسام والتقسيم والخروج عن الدولة المركزية؟

أما إيران التي يرغي حكامها ويزبدون كل يوم مهددين كردستان بالجحيم، فإن هذا التدخل، إضافة إلى أنه سيثير المجموعات الكردية داخل إيران، فإنه سيفتح الباب أمام المجموعات الإثنية الأخرى التي تعاني تمييزاً عنصرياً واضطهاداً، للتحرك والمطالبة بالاستقلال، وهي نزعات غير خافية ومتحركة، لكن القمع العاري من الحرس الثوري يمنع تطورها ويجعلها ناراً تحت الرماد. كما تركيا، فإن إيران مهددة بالتفكك، إذا ما غامرت بالتدخل العسكري في كردستان. وهو أمر مختلف عن انخراطها في الحرب السورية دعماً لنظام بشار الأسد.

لكن السؤال سيطرح عن الموقف الدولي من هذه الأخطار ومدى سماحه بانفلات النزعات القومية بما يهدد النظام الدولي المعمول به إلى حد كبير. سؤال عن دور الولايات المتحدة ومدى تمسكها بالحدود الدولية الراهنة، بما فيها الموقف من استفتاء كردستان الذي أتى في الشكل متحفظاً. لا يعقل أن لا تغض أميركا الطرف أو تشجع الأكراد، خصوصاً أنها الحامية لهم وراعية الاستقلال الذاتي. وهل بإمكان المعسكر الدولي منع تدخل الجوار العراقي بكردستان ومنع اندلاع حروب إقليمية لا أحد يعرف المدى الذي ستصل إليه. ليس من أجوبة قاطعة، بمقدار ما تثيره التهديدات من احتمالات خطرة.