Site icon IMLebanon

مرحلة ما بعد الأسد: أسئلة مشروعة ومشرّعة على..؟!!

 

كان عدد من المراقبين يتوقعون تغييراً جذرياً في سوريا مع الرئيس بشار الاسد او من دونه. فتطورات المنطقة بدءاً بغزة والحرب الإسرائيلية على لبنان، وصولاً إلى سقوط حلب وتمدّد «هيئة تحرير الشام» إلى حماة غداة التحرك الميداني ضدّ النظام، ولّدت انطباعاً بأنّ «الزهر قد رُمي»، وأنّ العملية مستمرة لإسقاطه وحمله إما على الانخراط في عملية سياسية يكون فيها أحد اللاعبين وليس اللاعب الأوحد، أو التنحّي من خلال الضغط العسكري او السياسي او الاثنين معاً. وهذا ما حصل.

واللافت أنّ التطورات السريعة التي فاجأت العالم والتي أدّت إلى رحيل الرئيس، لم تكن على قدر كبير من العنف – عكس ما توقّع كثيرون- كما كان حرص على طمأنة الأقليات الدينية والطائفية في المناطق التي دخلها المسلحون، وتحييد المؤسسات الرسمية المدنية ومراكز الشرطة، كذلك تسهيل خروج الوحدات القتالية الرسمية التي لم تقاتل او التي كانت ترابط في مواقع وقعت تحت سيطرة المعارضة. هذا الأمر إن دلّ إلى شيء، فإنما دلّ إلى عمل مّتقن أدارَتهُ دول إقليمية ودولية بالتكافل والتضامن مثل تركيا والولايات المتحدة الاميركية، وبريطانيا وفرنسا وقطر، وكان لهذا العمل دوره في إظهار «ابو محمد الجولاني» بـ» نيو لوك» سواء بتقديم نفسه باسمه الحقيقي او بتوفير إطلالات له عبر وسائل إعلام دولية كالـ (CNN) وطروحاته التي غلبت عليها اللهجة المعتدلة، ودعوته إلى عدم التعرّض لأحد والحفاظ على وحدة سوريا وتنوعها. وكان واضحاً إثر انسحاب قوات الجيش السوري من حمص بعد الاستعدادات الكبرى التي أمّنتها للدفاع عن المدينة، وتوجّهها نحو الساحل السوري أنّ شيئاً ما قد حصل على المستوى السياسي في الدوحة حتّم هذه الخطوة، وأنّ بشار الاسد استشعر أن لا جدوى من القتال والأفضل له مغادرة البلاد، مفضلاً عدم التوجّه إلى الساحل السوري.

 

بعد هذا العرض لا بدّ من استنتاج آلاتي:

1- وجود رغبة دولية وإقليمية أقلّه في المدى المنظور، في الحفاظ على الجغرافيا السورية موحّدة.

2- تعهّد بإطلاق العملية السياسية في البلاد من خلال مصالحة وطنية شاملة وانتخابات نيابية وفق قانون جديد غير القائم حالياً، يستطيع إنتاج سلطة تكون أكثر تمثيلاً لمكونات الشعب السوري، وتوزيعها بنحو يؤمّن التوازن.

3- النظر في الاتفاقات والمعاهدات المعقودة بين الدولة السورية في ظل النظام السابق وبين روسيا في شقها الدفاعي، وفي موضوع إجازة وجود قاعدة بحرية لها في طرطوس وأخرى جوية لها في حميميم. كما الاتفاقات المعقودة مع الجمهورية الإسلامية في إيران.

4- إعادة النظر في الجيش السوري لجهة تغيير تركيبته وإعادة تكوين هرم القيادة فيه من دون الوقوع في التجربة العراقية السابقة، عندما حُل الجيش، وكان ذلك سبباً للمآسي التي حلّت ببلاد الرافدين قبل إعادة تركيبه.

ولكن ثمة أسئلة يطرحها ديبلوماسيون ومراقبون:

أ- كيف سيجري التعامل مع واقع موجود متوارث من النظام السابق: حزب البعث: هل سيتمّ الإبقاء عليه ام ستعمد السلطة الجديدة إلى حله ومصادرة املاكه، ومنع المنتسبين اليه من المشاركة في العملية السياسية، بعد استصدار قانون جديد للأحزاب.

ب- كيف سيكون شكل النظام: مركزياً متشدّداً، لا حصرياً، أو لامركزياً موسعاً؟

 

ج-كيف سيتمّ التعامل مع الأكراد، وخصوصاً مع «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) التي تسيطر على مساحة واسعة من سوريا، ربما تفوق قدرتها على الاحتفاظ بها، وهل تسمح واشنطن بضرب هذه القوات الحليفة لها من دون مقابل سياسي؟

وأمام الواقع الجديد في سوريا وما ينتظرها على يد الحكم الوافد إليها، لا بدّ من طرح الأسئلة آلاتية:

1- في السياسة الخارجية: أي دور سيكون لتركيا مع نظام الحكم الجديد؟ هل سيكون مشابهاً في علاقاته المميزة لما كان قائماً بين دمشق وكل من موسكو وطهران زمن الحكم البعثي؟ وفي هذا المجال، لا يمكن المرور عرضاً على الشراكة التركية – القطرية في الإطاحة بالاسد،خصوصاً انّ لقاء الدوحة كان مفصلياً في عملية إزاحته وخروجه، وأنّ بعض الأسماء المطروحة لرئاسة الفترة الانتقالية لها صلات وثيقة بقطر.

2- هل سيعمد الحكم الجديد إلى الطلب من روسيا تفكيك القاعدتين البحرية والجوية في كل من طرطوس وحميميم، أو على الاقل تعديل البند المتعلق بمدة وجودهما لجهة اختصارها؟

3- هل سيمنح الحكم الجديد تسهيلات لدول أخرى تسمح لها بتصدير غازها إلى أوروبا عبر انابيب الساحل، مما ينهي حصرية روسيا لهذا الموضوع؟

4- العلاقة مع إسرائيل: هل يذهب نظام الحكم الجديد إلى تطبيع العلاقة مع الكيان العبري، ويعد بعدم إثارة موضوع ضمّ هضبة الجولان المحتل اليه، أقله في المرحلة الراهنة في انتظار أن تنضج الظروف الدولية والعربية، وتتضح معالم المحاولات القائمة مع إسرائيل لـ«حل الدولتين»، علماً انّ الغارات الإسرائيلية التي تكثفت على مطارات وقواعد عسكرية سورية بعيد رحيل الاسد تدلّ إلى استهداف صهيوني دائم لسوريا، طالما انّ لا وجود لتطبيع معها.

 

5- ما هو المآل الذي ستتخذه العلاقات السورية مستقبلاً مع روسيا، الصين وإيران؟ ويبقى السؤال الأكبر: متى سترفع الولايات المتحدة الاميركية العقوبات عن سوريا، وتوقف العمل بـ» قانون قيصر» لأنّه المعبر الرئيس لفك الحصار الدولي عن سوريا، وتُستعاد عملية ضخ الدم في شرايين الاقتصاد السوري المتهالك، بعدما أدّى هذا الاتفاق دوره، على امتداد سنوات، في إضعاف سوريا وضرب تماسكها المجتمعي وتوهين البيئة الحاضنة للاسد؟ اما الأهم: من سيعيد بناء سوريا والاستثمار فيها؟ هل ستستطيع روسيا الاحتفاظ بحقها في الاستثمارات التي حصلت عليها في مجالات كثيرة في سوريا في عهد الاسد. وليس خافياً انّ كثيراً من الدول ترغب في الاستثمار في قطاعي البناء وإعادة الاعمار والبنى التحتية، والنفط والاتصالات، وهي جاهزة لذلك، وستتصدّر تركيا مع قطر لائحة الدول التي ستحصد حصة وازنة من الاستثمارات، كذلك مصر إلى حدّ ما، وايضاً بريطانيا، وفرنسا وايطاليا، ومجموعة من الشركات اللبنانية، والشركات المتعددة الجنسية. على أنّ للولايات المتحدة فصلاً آخر يتصل بمصالحها في سوريا الجديدة، سواء بالرغبة، بل بالتصميم، على الاستثمار في النفط، أو في الحفاظ على قواعدها العسكرية في «التنف» وشمالي البلاد وشرقها. اما الخاسرون فتتصدّرهم: روسيا، الصين، وإيران. وإذا كانت خسارة بكين مرحلياً هي خسارة اقتصادية بعدما كانت قد أنهت استعداداتها للاستثمار في سوريا، فإنّ خسارة موسكو وطهران كبيرة جداً، خصوصاً عندما ستُطرح مسألة البروتوكولات والمعاهدات المبرمة مع الدولة السورية في عهد الاسد على البحث، وهي في مطلق الحالات لن تبقى كما هي. يُضاف أنّ وجود نظام جديد في سوريا سيقطع خطوط الاتصال بين المقاومة في لبنان وإيران. ويزيد من التعقيدات على مستوى المشهد العراقي.

 

في اختصار، فإنّ المنطقة خرجت وحتى اشعار آخر- وعلى مستوى الأنظمة المحيطة بدولة اسرائيل- من مدار الممانعة إلى المدار الأميركي ومن يدور في فلكه. وفي مطلق الحالات لا مجال لإنكار الربح الكبير الذي حققته إسرائيل على حساب دم الشعوب العربية ودورها.

ولكن، أين لبنان من كل هذا: أصبح الجميع اليوم فيه على قدم المساواة، فلا رابح في المطلق ولا خاسر في المطلق، وأنّ التجارب علّمت أنّ أحداً لا يستطيع إلغاء أحد في هذا البلد المعقّد التركيبة، ولو أنّ المقاومة أصيبت بخسارات جسيمة في حرب إسرائيل عليها، وسقوط النظام السوري. وبالتالي فإنّ استقواء طرف على آخر لا يصبّ في استتباب الاستقرار. وقد تكون – بل يجب أن تكون- تطورات سوريا هي البوابة الكبرى التي يعود عبرها النازحون إلى بلدهم الام، بعدما انتفت مبررات نزوحهم. ويبقى السؤال الأخير: هل الوعود الوردية التي تُطلق حول مستقبل سوريا ستتحقق؟ أم أنّها تتهيأ لفصول لم تتضح معالمها بعد؟ وهل الاستقرار المأمول والبدايات المضبوطة لقوات المعارضة مع الشروع في الانتفاضة، على النظام ستستمر وتُعمِّر؟ وهل ستكون سوريا الجديدة قادرة على استيعاب «طائف» جديد يوزع السلطات ويحمي التنوع؟ فلننتظر،لأنّ غداً لناظره قريب؟