أزمة الشراكة تطفو على وجه النظام السياسي
لعبة قديمة تمتد من فرساي الى الاليزيه
والحوار قصة تتكرر في معظم العهود!!
أراد وزير العمل سجعان قزي الاستغراب حيناً والمفاجأة أحياناً، وهو يتابع أخبار الإنفصام بين بعض الكتل السياسية، حول أهمية استمرار الحكومة، وبقاء الشراكة بين أفرقاء المجتمع والسياسة. لكنه اثر الصمت على الكلام، ايماناً منه بأن مصير لبنان السياسي لا تصنعه كثافة التعابير، بل كثافة الحوار.
طبعاً، ليس عادياً طرح مسائل حيوية، في زمان القرار: هل يمضي اللبنانيون في الشراكة الوطنية، ام ينفصلون عنها.
ويقول النائب عمار حوري، أحد أبرز اركان ١٤ آذار وتيار المستقبل بعد شفائه من عارض صحي اصابه أخيراً، ان الشراكة قاعدة لا بد منها لبقاء لبنان وديمومته، وان ضعفها أو زوالها كارثة على الوطن، ونكسة للإنسان فيه.
وفي رأي رئيس البرلمان نبيه بري، ان الإتفاق على رئيس جديد للجمهورية، بعد عامين ونصف عام تقريباً من الشغور امر لا بد منه، فالفراغ هو كارثة بحد ذاته وان كان الإتفاق السياسي أو التوافق السياسي هو مظلة لا بد منها للحوار في بلد الحوار.
ثمة قضايا مطروحة، خلال الاسبوع الطالع من شهر ايلول ٢٠١٦، تطرح الوجود اللبناني على المحك، فإما هذا الوطن باق، أو هو سائر الى الزوال، وفي مقدمة ذلك اختيار رئيس جديد للبلاد، وملء الشواغر في القيادات العسكرية، والإتفاق على قانون جديد للإنتخابات النيابية، وتحديد ما إذا كانت البلاد في أزمة نظام أو أزمة دولة، أم ان هناك قضايا فرعية تشكل مدخلاً الى اي حل سياسي.
وللمرة الأولى تدهم الشروخ السياسية، أصحاب الرأي الواحد، وذوي المواقف المتقاربة: هل يمكن للبنان أن يعيش أو يتعايش في ظل انحسار أي دور للشراكة.
قبل سنوات كان رئيس البرلمان، يزور فرنسا، على رأس وفد نيابي واعلامي، وقصد قصر فرساي ليسبر اغوار تجربة البطريرك انطوان الحويك، وتقويم مسيرة لبنان الكبير على انقاض مسيرة لبنان الصغير.
استدعى الرئيس بري، عدداً من قدامى موظفي قصر فرساي لاجراء مقارنة دقيقة مع تجربة قصر الاليزيه، وخرج بانطباع مفاده ان لبنان الكبير، هو الذي انقذ البلد لان لبنان الصغير مات في زحمة التاريخ وهذا هو الانطباع الذي رعاه الجنرال شارل ديغول، وانتهجه لاحقاً الرئيس فرنسوا ميتران. ويتابعه الان الرئيس هولاند مع عدد من القادة الأوروبيين، لان لبنان الصغير ذهب مع الريح، وان لا رجوع عن لبنان الكبير.
هل يعيد انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، والرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، احياء جمهورية ١٩٤٣، عندما انتخب الرئيس بشارة الخوري رئيساً، وذهب الرئيس اميل اده الى السجن.
ليس سهلاً ما حدث الاسبوع الفائت، عندما هدد رئيس التيار الوطني الحر بتعليق الحوار الدائر في البرلمان، فأخذ الرئيس نبيه بري زمام المبادرة، وقام بتعليق الحوار الى أجل غير محدد، وما سبق ذلك من حوار صاخب بين أركان البرلمان، ونجوم المعركة الرئاسية، وكاد النواب أن يغرقوا في حوار صعب، لا يحبونه لكنهم كانوا مكرهين عليه.
كان وزير الخارجية جبران باسيل يحاول دعوة النواب الى الإختيار بين لبنان الكبير ولبنان الصغير، وصولاً الى تحديد اي لبنان يريدون، هل هو لبنان الحالي، أم لبنان الصغير.
ثمة سؤال طرحه المفكر فهمي هويدي: لبنان الى أين، وما علاقة مؤسساته السياسية بواقعه السياسي!
ومن الاسئلة: هل يحمي الجيش الدولة أم يحمي النظام، وهل هو جيش الدولة أم انها دولة الجيش. والسؤال ليس نظرياً، لكنه مستخلص من الخبرة العملية. فالجيش يحمي الدولة في النظام الديمقراطي، بمعنى حماية حدودها وكيانها.
أما في النظم غير الديمقراطية فان الجيش الذي يُسخر لخدمة النظام وليس المجتمع. الموضوع دقيق وحساس وربما كان ذلك، سبباً لعزوف البعض عن الحديث فيه، لكن ذلك الحديث لا بد أن يفتح يوماً، بدلاً من ان نتطرق اليه مضطرين ومكرهين.
هل الجمهورية الراهنة سائرة الى غروب أم الى شروق.
القصة طرحت للبحث قبل نصف قرن، ومفادها أن اللبنانيين شعروا في حقبة الخمسينات أن تقريرهم السياسي أصبح على محك الأحداث لكن موجة القومية العربية دفعت الناس الى الاعتراف بان وحدة الجمهورية تبرر المساعي المبذولة لطرد التخلف والتوتر والإنغلاق السياسي من البلاد، وصولاً الى وحدة في الاراء وفي المواقف.
كان ظهور الرائد العربي جمال عبد الناصر سبباً اساسياً في تحريك الوجدان العربي، وهو حمل الرئيس السوري شكري القوتلي على مبايعة ناصر رئيساً لاول وحدة عربية، ضمت مصر وسوريا، لكن تكليف المشير عبد الحكيم عامر في قيادة سوريا ادى في النهاية الى الانفصال، والتفريط بوحدة مصر وسوريا.
الا انه في الاسبوع الفائت دار حوار طويل حول الميثاقية بين الرئيس فؤاد السنيورة ووزير الخارجية جبران باسيل والنائب سامي الجميل الذي قال صراحة اننا نبتكر اموراً كثيرة، في حين أن المطلوب الإلتزام بالدستور والنزول الى المجلس. علينا أن نلتزم بالدستور وننتخب رئيساً للبلاد.
وعقب الرئيس بري بان الجميل قال انه درس القانون الدستوري، لقد نجحت بالقانون.
ورد الجميل بان ما نقوم به شبيه بالدعوة لتشكيل هيئة عليا لإلغاء الطائفية السياسية وهذه الهيئة برئاسة الرئيس، فكيف نسير بهذه العملية من دون أن ننتخب رئيساً.
أمام البلاد أيام دقيقة، ويبدو ان المخرج المطلوب هو تأمين قانون للمشاركة السياسية بين الطوائف اللبنانية.
فليس سهلاً تجاوز التباينات بين السنّة والشيعة، وليس سهلاً أيضاً انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل التوافق على قائد للجمهورية، وسط معارضة شاملة لاختيار العماد عون للرئاسة عن طريق التعيين المسبق، قبل النزول الى مجلس النواب للاقتراع له، في حين ان تيار المستقبل لا يزال يتمسك بترشيح النائب سليمان فرنجيه للرئاسة الأولى.
الا ان الاوساط السياسية العلنية ترجح الإتفاق على مرشح توافقي لا تصادمي!!
هل تتدخل الدول الكبرى، وتدلي بافكارها وآرائها في المرشح المطلوب ام تظل تحيل الامور المعقدة الى اللبنانيين ليقوموا باختيار هذا المرشح.
الا ان التعقيدات السياسية بين الرئيس الروسي بوتين والرئيس الأميركي أوباما قد تجعل الكبار يتركون الأمرالى المرشحين الاثنين للرئاسة الأميركية دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، وهذا الأمر يؤجل حسم الموضوع الرئاسي الى السنة المقبلة، ولا يتم انهاؤها قبل نهاية العام الحالي.
كلمات متقاطعة
يقول الباحث ريمون شاكر. انه لا بد من حل سياسي للأزمة الرئاسية، وانه لا بد من اعتماد الحل الذي لا يشكل تحدياً واستفزازاً لاحد ولا انكساراً لأي فريق، ذلك ان رئيس الجمهورية اللبنانية، يجب أن يكون مقبولاً من معظم مكونات الوطن. في حين يرى آخرون حلاً مغايراً.
غير ان رجال التوافق يشددون على ان رئيس البلاد رجل التسوية لا التفرّقة. وليس مفروضاً من فريق على الآخرين، لان الميثاقية تبدأ بالتوافق وتنتهي بالتوافق، لا بالفرض ولا بتشريع تعطيل النصاب كما يقول الكاتب المذكور. وترك الوطن في المجهول. وهذا يشكل دعوة الى احترام الدستور، وعدم ربط انتخاب الرئيس بأي سلّة، لانها تعقد الأمور بدل تسهيلها، والى تغليب مصلحة الوطن على المصالح الذاتية.
ويطرح فكرتين فكرة تجزئة الرئاسة لفترة انتقالية ريثما تنقشع الغيوم السود، ويعتقد صاحب الإقتراح ان اللجوء الى الانتخابات وفق قانون انتخابي جديد يؤمن التمثيل الصحيح لكل فئات الشعب، على أن يوافق عليه المرشحان العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجيه ورئيس من خارج الاصطفافات، ولا يشكل انتخابه تحدياً لأي فريق، لان الظرف الاستثنائي يتطلب حلاً استثنائياً ولا يشكل تحدياً لأي فريق، لان زرع الالغام مثل التفاهم المسبق على ما بعد الرئاسة. وهذا هو الحل الوسطي المطروح، ومن عنده حل آخر فليطرحه، وفي اسرع وقت ممكن، لأن الوطن الصغير والاقتصاد المنهار لا يتحملان ترف الانتظار الى ما لا نهاية.
الان، وبعد الوصول الى طريق مسدود، وانهيار مؤسسات الدولة الدستورية والسياسية والأحزاب هل من الوطنية والضمير ان يبقى كل فريق متمسكاً بمرشح، وهل أصبحت الجمهورية في منأى عن مرشح آخر.
البلاد غارقة في الوحل الإنتخابي، والانتخابات معطلة.
ويقول الكاتب نفسه، ان الوضع في المنطقة يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، والتسوية في سوريا لا تزال بعيدة المنال. نظراً الى تشابك القوى والأهداف المتناقضة للجبارين الأميركي والروسي، ذلك، ان معظم الدول منشغلة بازماتها الداخلية، بعضها متخوف من الصراعات الداخلية والعرقية والمذهبية، والخطابات والتحديات التي لا تطعم جائعاً، ولا تنقذ وطناً.
بعض السياسيين يرسم سيناريوهات رئاسية من شبح الخيال، ويتلقى وعوداً لا أساس لها من الصحة. ومع هذا يتوقع مفاجآت قد لا تظهر قبل حلول تشرين الاول المقبل، او بعد انتهاء معركة حلب، او بعد تقسيم المنطقة.
خيارات صعبة
ويردد اركان تيار المستقبل أن لا احد ينوب عنه في اختيار الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة المقبلة، لأنه زعيم المستقبل وقائده السياسي.
وعلى الرغم من ذلك، فان الرئيس نبيه بري يقول ان ما سمعه في الجلسة الأخيرة من الحوار، هو أخطر كلام سمعه منذ الحرب الأهلية، وان التدقيق في المضمون الطائفي والمذهبي لوقائع الجلسة، سواء في المواقف او المواقع يشكل مضموناً عاطلاً للحوار.
ويؤكد الرئيس برّي انه اذا ما سقط البلد، فلن يقوم بلد آخر مكانه وان الانهيار السياسي اشد خطورة من الانهيار الاقتصادي.
وفي رأيه ان جلسة الحوار الأخيرة بين الرابية وعين التينة كانت مثيرة، وان المعركة، قبل انعقادها كانت تبدلت على خلفية السجالات بين الطرفين حول الازمات المصيرية.
ويعتقد الافرقاء جميعاً ان الأزمة ستكون عميقة، ولا تبدو في الافق حلول مرتقبة في موعد قريب ولا في العقد التشريعي العادي، للمجلس النيابي في تشرين الاول المقبل، اي ان الخريف اللبناني سيكون قاسياً على الارجح.
وفي ضوء هذه المواقف والتوقعات ثمة من يقول ان كل شيء يتقدم وفق ما هو مرسوم، الى ان تبلغ الأزمة حدودها القصوى، وتصل الى حيث يضطر الجميع الى القبول باعادة النظر في المعادلة القائمة تقليدياً بين المكونات منذ العام ١٩٤٣، والتي طرأت عليها تعديلات في الطائف العام ١٩٨٩.
ويقول مرجع سياسي ان الحوار الذي عبّر عنه التيار الوطني الحر هو الاول من نوعه.
وهذا المأزق يعود اليه التطرف في الاراء خصوصاً عند المسيحيين وان كان لا أحد يريد الطلاق.
وهذا الاحتقان المسيحي، هو الوقود الذي يتوقع ان تنطلق منه الاستحقاقات الكبرى في المرحلة الآتية. ومنها ما يُسمى المؤتمر التأسيسي الذي سيكون الماكينة التي ستتولى الانتاج لعملية التغيير، بتأثير مباشر من التطورات الجارية.
والمهم، بالنسبة الى الجميع ان تبقى الأمور تحت السقف الأمني. وعلى الارجح، ان ما جرى على طاولة الحوار الأخيرة، كان مدروساً ومدبراً لبلوغ النتيجة التي انتهت اليها، وليس سهلاً تبرير لبعض الافرقاء، اصرارهم على انتخاب مرشحهم للرئاسة الأولى، واذا ما طارت الاستحقاقات الخريفية، اي الإنتخابات النيابية فسيكون الواقع صعباً ومعقداً.
ماذا في المستقبل؟
الجواب واضح الا هو ان الحوار مجمد في غرفة الانتظار. يقول الرئيس بري انه يراهن على دور مرتقب للرئيس تمام سلام، خصوصاً بعد عودته من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وان دعوته الى اجتماع للحكومة، لن تكون امعاناً في الابتعاد عن الشراكة الوطنية، مؤكداً ان كتلته السياسية، كتلة التحرير والتنمية لن تكون عقبة أمام التوافق.
ويخلص رئيس المجلس الى الاعراب عن أسفه لما وصل اليه الوضع، وليت الجميع يرون ما يحصل من حولنا في المنطقة، فنتقي الله في بلدنا.
الا ان ما اعربت عنه كتلة المستقبل، عزز الامال في مواقف مسيحية أبرزها ما صدر عن الرئيس أمين الجميل من دعوات الى استئناف الحوار.
وكان الرئيس الجميل صريحاً في قوله ان لا خيار امام اللبنانيين سوى اللقاء والتنازل عن الغنج السياسي خصوصاً وان هناك ملامح تغيير في خرائط المنطقة، معتبراً ان لبنان ينتحر، ونحن ننتحر اذا ما استمررنا في هذا المنحى من التعطيل.
ويوضح الجميل ان من مصلحة الناس تجاوز الأزمات العابرة في هذه الحقبة الدقيقة، وما تشهده من تطورات خطيرة على صعد كثيرة، في حين يتسلى بعضهم بالقشور، بدلاً من ان تكون لدينا سياسية فاعلة يلتف حولها اللبنانيون، وان نكون متفاهمين جميعاً على دور لبنان واحد.