متابع التطوّرات الخليجية على امتداد الأيام الأخيرة التي أعقبت قمم الرياض الثلاث لا تفاجئه المستجدات على المشهد هناك في ضوء قطع العلاقات بين دول عربية ودولة قطر. فلقد كانت وسائط الإعلام، على خلافها، كفيلة بالإشارة، سلفاً، الى الحدث الذي استجد وهو (في تقديرنا وتقدير الكثيرين من المراقبين والمحللين) بالغ الأهمية ولن تكون الأمور في ما بعده مثلها قبله.
وفي قراءة متأنية لما صدر في الساعات الأخيرة، منذ فجر أمس وحتى كتابة هذه العجالة ليلاً، يتضح أن المسألة ليست بنت ساعتها. فالقرار السعودي، وسائر قرارات قطع العلاقات مع قطر من الدول الأخرى، جاءت متخمة بالأسانيد والدلائل والإشارات أيضاً لتبين أن الصدر قد ضاق، فعلا، بالدوحة وما يصدر عنها من تصرفات، لدرجة أن السعودية إرتقت بالمسألة الى حدود «الأمن القومي» للمملكة على حد ما جاء في البيان، ان السعودية «إنطلاقاً من ممارسة حقوقها السيادية التي كفلها القانون الدولي، وحماية لأمنها الوطني من مخاطر الإرهاب والتطرف، فإنها قررت قطع العلاقات الديبلوماسية والقنصلية مع دولة قطر».
وانها «قررت إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية، والبدء بالإجراءات القانونية الفورية للتفاهم مع الدول الشقيقة والصديقة والشركات الدولية لتطبيق ذات الإجراء بأسرع وقت ممكن لكافة وسائل النقل من وإلى دولة قطر، وذلك لأسباب تتعلق بالأمن الوطني السعودي».
ولم يطل الأمر أن أوضح البيان مسألة الأمن القومي في فقرة لاحقة متهمة قطر باحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الإستقرار في المنطقة، ومنها جماعة الاخوان المسلمين وداعش والقاعدة (…) وأيضاً دعم الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران (…).
ويبدو أن الأمر ليس إبن ساعته، وبحسب البيان السعودي فإن الرياض بذلت منذ عام 1995 (تاريخ تسلّم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والد الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد، السلطة)، ما وصفتها بـ«الجهود المضنية والمتواصلة لحث السلطات في الدوحة على الإلتزام بتعهداتها» مضيفة أن قطر «دأبت على نكث التزاماتها الدولية، وخرق الإتفاقات التي وقعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية، وكان آخر ذلك عدم تنفيذها لاتفاق الرياض» في إشارة الى الإتفاق الذي أنهى أزمة سحب سفراء دول خليجية من قطر عام 2014.
كما يبدو أن السعودية نفد صبرها، وفق البيان الذي وصل الى حد إتهام الدوحة، مباشرة بـ«التآمر» على المملكة.
وفي سياق مماثل وردت إتهامات الإمارات والبحرين ومصر (وسواها من الدول المتضامنة) بأن قطر تمول الإرهاب وتوجهه وتخرج على قرارات الإجماع العربي والخليجي. أمّا هذه الإمارة فترد في بيانها الذي صدر أمس قائلة: «إن إختلاق أسباب لاتخاذ إجراءات ضد دولة شقيقة في مجلس التعاون لهو دليل ساطع على عدم وجود مبررات شرعية لهذه الإجراءات التي إتخذت بالتنسيق مع مصر والهدف منها واضح، وهو فرض الوصاية على الدولة وهذا بحد ذاته إنتهاك لسيادتها كدولة وهو أمر مرفوض قطعياً».
قيل، أمس، إن القرارات العربية الهادفة الى عزل قطر مرتبطة بزيارة الرئيس الأميركي ترامب الى السعودية، وتلك أولى نتائجها. والرد جاء استباقياً من المملكة التي رجعت بالأزمة ومسؤولية قطر عنها الى العام 1995… ثم إن العلاقات بين الدوحة وواشنطن في أحسن حالاتها خصوصاً وان للثانية قاعدة في قطر تكاد تكون إحدى أكبر قواعدها العسكرية في العالم.
والسؤال المطروح: ماذا بعد؟ وما هي إنعكاسات هذا الحدث على الخليج تحديداً والشرق الأوسط عموماً وإن كانت البوادر كبيرة مثل الهبوط في الأسهم القطرية؟ وما مصير الشركات المشتركة بين الدوحة وكل من الرياض وأبو ظبي ودبي خصوصاً وحتى المنامة أيضاً؟ وما مصير هذا الخلاف الحاد على الأفراد من الدول المعنية وسواها الذين ينشطون بين الدوحة وخصومها؟ وأخيراً وليس آخراً: هل يعاد تحريك الخلافات الحدودية خصوصاً بين الدوحة وكل من البحرين والإمارات؟.