لأنه لا صوت يعلو على صوت المعركة، خفتت أصوات السياسيين وغاب ضجيجهم، وتوقفت السجالات السياسية الحقيقية أو المصطنعة. والكل يصغي اليوم بفرح واعتزاز الى السنفونية التي تعزفها راجمات الجيش اللبناني وصواريخه ومدفعيته وأبطاله، في ملاحقة فلول داعش في الجرود. وسيستمر هذا الصمت السياسي لفترة أطول تفرضها المشاركة في أفراح النصر المحتم، بعد انتهاء المعركة وتحرير الجرود من غزاتها الأشرار… ولكن، عاجلا أو آجلا ستعود دورة الحياة اليومية الى عاديتها، وتنتهي بذلك فترة راحة الحكومة من ضغوط أصحاب المطالب المحقة، ومن مشاغبات السياسيين ومشاكساتهم، وكذلك من مضاربات الشركاء في السلطة حينا، ومن أهل البيت نفسه حينا آخر!
ما سيفرض إيقاعه على الجميع لاحقا تطورات الأحداث على خطين: اقليمي ودولي من جهة، وداخلي من جهة ثانية. واذا كانت معركة الجرود في لبنان قد انتهت وتحررت الجرود مرة واحدة والى الأبد باعتبار ما سيكون، فان المعركة ذاتها لا تزال مستمرة في الاقليم وتستغرق بعض الوقت الطبيعي الذي تفرضه أوضاع كل معركة، وكذلك الوقت السياسي وحاجته الى دوزنة الصراعات الحتمية حول اشغال المساحات والمواقع الشاسعة التي ستشغر بعد الاجهاز على شاغليها الارهابيين أو فرارهم منها! وهي مشكلة غير مطروحة في لبنان، لأن كل شبر يتحرر من احتلال أجنبي أو غريب، يعود تلقائيا الى كنف الدولة وسيادتها.
العالم سينشغل طويلا بمواجهة حروب الذئاب المنفردة الانتقامية ثأرا لاسقاط الخلافة المزعومة، وسقوط كل الأوهام التي عممتها بالفظائع والوحشية غير المسبوقة! أما التطورات في الاقليم فما من مهرب منها، وستنعكس على الداخل ليس بقوتها الذاتية فقط، وانما أيضا بمقدار ما يعكسه لبنان من ضعف في مواجهتها. والأهم هو ألاّ تفقد القوى المسؤولة بوصلتها، وتحتفظ بالقدرة على تبني الاتجاه الصحيح باستمرار. والاتجاه الوحيد التي تشير اليه إبرة البوصلة السياسية هو قدرة القوى السياسية المتباينة والمتعارضة، في المحافظة على الوحدة الداخلية اللبنانية، وتحصينها في وجه كل المتغيرات. وذلك وحده فقط سيتيح قطع المسافة الفاصلة عن موعد اجراء الانتخابات النيابية بأمان، وهو الفيصل الحقيقي بين استمرار الواقع المزري، وامكانية تحقيق حلم الاصلاح وبناء الدولة!