Site icon IMLebanon

إستحقاقات ما بعد الإنتخابات: ماذا عن دور «حزب الله»؟

المشهد اللبناني يرتبط بانعكاسات الساحات الملتهبة ومخاضات أيار

 

 

منظِّرو ترامب يذهبون إلى «شبه يقين» بأن البيت الأبيض سيلغي الاتفاق النووي وسيفرض عقوبات صارمة على إيران

استحقاقات دستورية متتالية ستكون بانتظار لبنان بعد أن تُطوى صفحة الانتخابات النيابية في السادس من أيار، بدءاً بانتخاب رئيس البرلمان ومروراً بالاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة العتيد وصولاً إلى تشكيل الحكومة وإعداد بيانها الوزاري ونيلها الثقة. مسار سيعتريه «شدّ حبال» بدأت ملامحه تظهر، على الرغم من الاقتناع السائد بأن مرحلة ما بعد الانتخابات هي جزء من التسوية واستكمال لها، بحيث يتمّ إدراج مواقف بعض القوى السياسية حيال عدم حتميّة عودة الرئيس نبيه بري إلى سدّة الرئاسة الثانية والرئيس سعد الحريري إلى الرئاسة الثالثة، ورفع سقف الشروط،  ضمن إطار محاولات تحسين أوراق تلك القوى لمواقعها في المعادلة الجديدة.

غير أن المشهد اللبناني، تأزماً أو انفراجاً، يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر باستحقاقات أخرى ستشهدها المنطقة في شهر أيار، وستترك انعكاساتها على اللاعبين المنخرطين في الساحات الملتهبة، وفي مقدمها إيران ومعها ذراعها العسكري الأقوى المتمثل بـ «حزب الله» الذي تستخدمه أمنياً واستخباراتياً وعسكرياً خارج حدودها في مشروع مدّ نفوذها وتغلغلها في الدول الأخرى، من العالم العربي إلى أفريقيا ودول آسيوية وصولاً إلى أميركا اللاتينية.

فإلى الانتخابات البرلمانية اللبنانية التي ستُشكّل، وفق التوقعات، رافعة دستورية وقانونية لـ «الحزب» من بوابة صناديق الاقتراع والخيار الديموقراطي للشعب، هناك استحقاق الانتخابات البرلمانية العراقية  في الثاني عشر من أيار، التي تشهد صراعات داخلية في «البيت الشيعي» تتخطى الصراع على السلطة إلى تمايز في الخيارات السياسية في ما خص مستقبل الدولة، وعلاقة العراق بمحيطه العربي ومع الغرب، بما يجعل من الصعب الجزم بانتصار، لا غبار عليه، لحلفاء إيران الصافين، لا سيما وأن محللين في واشنطن أدرجوا الإعلان الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم «داعش» عن إنهاء مهمات قيادة القوة البرية، وما يعنيه ذلك من تغيير في هيكلية ومسؤوليات التحالف، في سياق رسالة ضغط أميركية إلى رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بضرورة الالتزام بـ «خارطة الطريق» المرسومة لإنجاح العملية السياسية في العراق، وفي مقدمها تفكيك الحشد الشعبي الذي يترك بقاؤه، كميليشيا موازية للجيش، تأثيرات سلبية على المكوّنات العراقية وقدرة الدولة على الحكم. وإذا كان بعض المراقبين يرون في احتمال تقليص الوجود الأميركي في العراق خطوة في إطار التخفيف من مخاطر الاستهداف المباشر مستقبلاً، فإن هؤلاء المحللين يستبعدون انسحاباً أميركياً يفتح الباب لمزيد من الهيمنة الإيرانية في العراق، في الوقت الذي يعمل فيه الرئيس ترامب على محاصرة إيران على مختلف المستويات.

أما ثاني الاستحقاقات في الثاني عشر من أيار نفسه، فيكمن في موقف واشنطن النهائي من الاتفاق النووي مع إيران. فعلى الرغم من محاولة الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية حضّ الرئيس الأميركي، خلال زيارتهما واشنطن، على عدم الانسحاب من الاتفاق، فإنهما لم يعكسا نجاحاً محققاً في مسعاهما، بل ظهّرا شروطه الآيلة إلى إدخال تعديلات جذرية على الاتفاق لضمان بقائه، وهي شروط تشكل في حد ذاتها هزيمة لإيران، لا سيما وأنها تحتوي على مطالب تتناول وقفاً نهائياً، وليس مرحلياً، للبرنامج النووي ووضع قيود على الصواريخ الباليستية، وتحرير آلية التفتيش وإنهاء دور إيران السلبي في المنطقة.

ويتمثل ثالث الاستحقاقات، التي تشكل اليوم أولوية لـ «البيت الأبيض»، بحل ملف كوريا الشمالية النووي. وفي هذا الإطار، سيُشكّل وضع نهاية لبرنامجها النووي انتصاراً أكيداً للرئيس الأميركي الذي سيلتقي هذا الشهر الزعيم الكوري كيم يونغ أون، وفقاً لمنظري ترامب، الذين يعزون نجاحه في حل هذا الملف المعقد إلى العقوبات الصارمة التي جرى فرضها على كوريا الشمالية والتي تم التعامل معها بجدية من قبل الصين في ظل إدراكها بأن إمكانات المناورة ضيّقة، وتحاشياً للضرر الذي سيلحق بالمصالح التجارية والاقتصادية بين بكين وواشنطن على خلفية هذا الملف.

ورصد هذا الاستحقاق ينطلق من أن التعامل مع ملف كوريا الشمالية النووي، لجهة الاتفاق على تفكيك برنامجها لأسلحة الدمار الشامل، سينسحب بشكل كبير على الملف النووي الإيراني. منظرو ترامب يذهبون إلى الاعتقاد، «شبه اليقين»، بأن ترامب سيذهب إلى إلغاء الاتفاق النووي الإيراني. ففي قراءتهم أن الرئيس الأميركي ذاهب إلى تطبيق سياسة العقوبات الصارمة على طهران من أجل دفعها إلى وقف نهائي لبرنامجها النووي والانخراط الفعلي في دور بنّاء. هذا الأمر يتطلب تعاوناً كبيراً من الحلفاء في المنطقة، لا سيما الخليجيين منهم، وهو ما يُفسّر كلام وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو في الرياض الأسبوع الماضي عن الوحدة الخليجية، الذي يأتي في سياق مواجهة إيران وتحضير الأرضية المطلوبة لنجاح تلك المواجهة التي تستند بالدرجة الأولى إلى حزمة من العقوبات الاقتصادية وإلى إجراءات وتدابير زاجرة، قد تصل إلى حدّ وقف كل أنواع التجارة بين دول الخليج وإيران وصولاً إلى حركة الطيران المدني معها، بما يجعل طهران تبدّل من سياستها الراهنة.

كل تلك الاستحقاقات ستُرخي بثقلها على المشهد الداخلي إذا قررت إيران وحليفها «حزب الله» استخدام الساحة اللبنانية صندوقة بريد وليس ساحة لاختبار النوايا، كما شكلت حتى الأمس القريب. التحدي راهناً بالنسبة لإيران و«الحزب» يكمن في حجم الضغط الأميركي السياسي والاقتصادي الذي ينتهجه حيالهما ترامب وفريقه الجديد المتجانس، وملاقاة إسرائيل الضغط بضرباتها العسكرية في سوريا التي تأخذ وتيرة تصاعدية، وحشر أوروبا، وحتى روسيا، في ما خص الاتفاق النووي من خلال الكشف عن عدم وقف طهران لبرنامجها النووي واستمرارها بنشاطها السري.

وعلى الرغم مما حملته الأيام الماضية من قرع لطبول الحرب، فإن المتابعين من العاصمة الأميركية لا يرون حرباً إسرائيلية – إيرانية، كما ساد في الآونة الأخيرة. التوقعات تنحو باتجاه القيام بأعمال وعمليات انتقامية إيرانية عدة ضد مصالح إسرائيلية أو أميركية أو حتى ضد مصالح حلفاء أميركا قد تتخذ أشكالاً إرهابية.

يبدو من الصعب التكهن بالهدف أو الأهداف المحتملة، غير أن حجم تلك العمليات ووضوح الجهة التي تقف وراءها من شأنهما أن يحددا طبيعة الرد، وما إذا كان سيقتصر على إسرائيل أم سيكون هناك دور أميركي فيه. الأنظار تتجه نحو عمل إرهابي تتلطى وراءه طهران أو أذرعها ويأتي بتوقيع تنظيمي «داعش» أو «جبهة النصرة»، ذلك أن الاقتناع السائد لدى غير جهة أن إيران، التي تدرك حجم الضغوط التي تنتظرها معطوفة على أزمة اقتصادية داخلية وتململ شعبي حيال الطبقة السياسية والدينية الحاكمة، ستمارس أعلى درجات الحذر في تعاطيها مع واشنطن وأعلى درجات التقيّة في انتقامها، لكن يبقى السؤال: ماذا عن «حزب الله»، هل يسلك درب طهران أم يقوم مقامها؟!