أهمّ من مرحلة اجراء الانتخابات النيابية العامة هو ما بعدها. وعلى الرغم من موجة المنافسات والتعقيدات والتحالفات في ظلّ قانون انتخاب جديد لم تتم تجربته من قبل، فان كبار المسؤولين في البلد يتصرّفون بشيء من الرضا عن الذات، وربما بشيء من الزهو أيضا، لأنهم قطعوا سلسلة التمديد للمجلس النيابي، وأعادوا البلاد الى سكّة الدورة الطبيعية باجراء الانتخابات في موعدها. وهي صورة زاهية أراد الحكم تقديمها ليس فقط في الداخل، وانما أيضا وخصوصا الى المجتمع الدولي. غير ان المناخ العام عربيا واقليميا، وحتى دوليا بوجود رئيس نزق على رأس الولايات المتحدة الأميركية، لا يوحي بمسارات مستقبلية تتجه نحو اطفاء الحرائق واقفال ملفات الحروب، وانما على العكس تنذر بشهيّة جهنمية على اغراق المنطقة بالمزيد من الشيء نفسه… ومن أخطر تلك المؤشرات محاولة اشعال حرائق في البلدان التي لم تصل اليها النيران بعد، ومنها… لبنان!
من السابق لأوانه التكهن بطبيعة الخريطة السياسية في البرلمان الجديد. ومن معالم القانون النسبي انتاج برلمان متنوّع متعدّد القوى دون امكانية احتكار الأكثرية فيه لأي تحالف من القوى حتى المتجانسة منها. ولو كان الأمر يقتصر على صراع لبناني – لبناني داخلي، فمن الممكن ايجاد الحلول وتدوير الزوايا. والخطر الحقيقي يأتي ليس من الداخل، وانما من التدخلات الخارجية العابرة لحدود لبنان بكل سهولة ويسر، وربما بتشجيع ومباركة من قوى في الداخل. واذا حدث مثل هذا الأمر، فستكون انعكاساته عاصفة في الداخل اللبناني، وسيكون من ضحاياه اهتزاز التوازنات الداخلية، وفي مقدمتها التسوية التي قادت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، والرئيس سعد الحريري رئيسا للحكومة، وما نتج عن ذلك من تفاهمات لاحقة…
الخطر الحقيقي الذي سيواجهه لبنان في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية قد لا يكون خطرا خارجيا من النوع الذي ألفناه منذ قيام الكيان الاسرائيلي المحتل على أرض فلسطين… وانما قد يكون خطرا داخليا تلقى جرعات كبيرة من الدعم من قوى ليس لها صفة العدو. والمعادلة المؤسفة والمؤلمة التي تتحكّم بمصائر شعوب المنطقة هي اتجاه قوى مؤثرة في منطقتنا، شعارها: ما لنا هو لنا… وما ليس لنا نعمل على تدميره وازالته من الوجود! والخشية في المرحلة المقبلة هي أن يواجه لبنان أزمة مستعصية في تشكيل حكومته الجديدة، تشبه أزمة الشغور الرئاسي الطويلة قبل ولادة العهد الجديد!