ما قبل الموصل ليس قليلاً عدد الدول والقوى التي صنعت أسطورة حول قوة داعش. لا لأنها مغشوشة في تقدير ما لدى داعش بل لأنها تمارس سياسة الغش. ولا فارق بين من ساهموا في بناء التنظيم الارهابي وتمويله وتسليحه وبين من هم ضده ويقومون بخطوات في محاربة الارهاب. فكل طرف أراد توظيف الأسطورة في خدمة أهداف له ضمن الصراع الجيوسياسي. وكل طرف تصور أن سيطرة داعش على الأرض لها حدود بما يجعل سياسة الاحتواء كافية على المدى المتوسط وتسمح بالالتفات الى مواجهة أخطار مباشرة من خصوم يصعب تصنيفهم في لائحة الارهابيين.
لكن معركة استعادة الرمادي عاصمة الأنبار، بعد الغزوة الارهابية لها، أكدت أن هزيمة داعش في الميدان ممكنة عندما تتوافر الارادة السياسية والقدرة العسكرية على القتال. وهذا ما أثبتته من قبل معركة استعادة تكريت في محافظة صلاح الدين ومعركة عين العرب في شمال سوريا. فلو لم تهرب القوات العراقية من الرمادي وقت الغزو لما تمكن مسلحو داعش من دخولها. ولو قاتلت الفرق العسكرية في الموصل بدل أن تهرب وتترك أسلحتها لداعش لما تمكن أبو بكر البغدادي من اعلان دولة الخلافة الداعشية واعتلاء منبر الخطابة في أكبر مساجد الموصل.
ولا مجال لأن نصدق أن تحقيق استراتيجية الرئيس باراك أوباما إضعاف داعش ثم القضاء النهائي عليه يحتاج الى جيل كما يقول الأميركيون. ولا لأن نؤمن بأن الحرب على داعش والارهاب تتطلب قيام أوسع تحالف دولي مثل التحالف ضد النازية، كما يقول الروس بلسان الرئيس فلاديمير بوتين ولسان وزير الخارجية سيرغي لافروف. فما يدفع واشنطن وموسكو الى ترداد هذا الخطاب هو تعقيدات أهداف كل منهما. ولم يكن من المفاجآت، وسط المبالغات في ما فعله القصف الجوي الروسي الأكثر جدية وكثافة من القصف الأميركي، أن يعترف لافروف بأن العملية الروسية تمكنت من احتواء تقدم الارهابيين.
والسؤال هو: ماذا بعد النصر العسكري وما يتجاوز مهمة اعادة الإعمار بعد الدمار الهائل في العمران والخراب المخيف في النسيج الاجتماعي في المدن والبلدات التي تتم استعادتها من أيدي الارهابيين؟ والجواب الذي يعرفه الجميع ويهرب منه الذين يرونه ضد مصالحهم هو الحاجة الى النصر في معركتين: أولاهما مواجهة فكر داعش التكفيري بما يسميه البعض ثورة في الاسلام أو أقله تجديد الخطاب الديني. والثانية هي على الانتقال من شهوة الحكم المذهبي وسطوة النفوذ المذهبي الاقليمي الى رحاب العملية السياسية الجامعة في نظام المواطنة.
ومن دون ذلك، فإن هزيمة داعش عسكرياً فقط تقود الى ظهور تنظيمات أخطر. –