IMLebanon

ما بعد الإتفاق الإيراني

في مفاوضاته مع إيران، يتطلع الرئيس الاميركي باراك أوباما الى ما هو أبعد من مبادرة لوقف الانتشار النووي والحد من التسلّح. الاتفاق فيه سعي الى إنهاء حال “العداء الدائم” بين واشنطن وطهران والتهيئة لمرحلة تفتح أبوابا اقتصادية وديبلوماسية للولايات المتحدة مع من وصفته قبلا بـ “المصرف المركزي للارهاب”.

وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف قال لصحيفة “در شبيغل” هذا الاسبوع ان الاتفاق “مرجح وأكثر من ممكن ” في تموز (يوليو) المقبل. وفيما يتوقع باحثون أميركيون أن يتأخر بضعة أشهر بسبب الخلافات على رفع العقوبات ومراكز الأبحاث النووية الإيرانية، فإن فرص إنجازه تفوق عدم حصوله، والعواصم العربية والاوروبية تستعد لمرحلة ما بعد التوقيع. وعلى رغم اعتبار التصريحات العلنية للإدارة الاميركية ان اي اتفاق سيكون نوويا “حصرا” ، تشير المعلومات في الكواليس الى غير ذلك.

البيت الابيض لا يرى لزوما لحال “العداء الدائم” مع إيران في المنطقة. وواشنطن التي سحبت قواتها من العراق ولن تتدخل عسكريا في سورية، تسعى اليوم الى اعادة ترتيب أوراقها الاقليمية بشكل يحافظ على التحالف الاقوى مع دول “مجلس التعاون الخليجي” وما كرسته قمة “كامب ديفيد”، إنما في الوقت نفسه الانفتاح على إيران وحصد المكاسب الاقتصادية من اي اتفاق. وبدأ التحضير فعليا لهذه المرحلة بتوجه وفود مدراء أعمال اميركيين الى طهران بحسب ما ذكرت “نيويورك تايمز” ، للبحث في عقود واستثمارات بعد رفع العقوبات في فترة لن تتجاوز الثمانية أشهر بعد الاتفاق.

أما ديبلوماسيا فدفعت المكافأة الإيرانية سلفا، عبر نقل قسم رعاية المصالح الإيرانية الذي يخضع لسلطة السفارة الباكستانية في واشنطن، من موقع في ضواحي العاصمة الى وسطها، وعلى بعد مربع من السفارة القطرية. وتم في المقابل منح قسم رعاية المصالح الاميركية في طهران التابع للسفارة السويسرية مكتبا أكبر بحسب “واشنطن بوست”.

وفي مرحلة ما بعد الاتفاق، وطبقا لمدى تقيد إيران ببنوده، فقد يعاد فتح قنوات ديبلوماسية مع طهران غير محصورة بالشأن النووي. وليس من المستبعد ان يكون الملف السوري في قائمة المواضيع التي يأخذها وزير الخارجية جون كيري الى نظيره ظريف، تزامنا مع فتح القنوات الروسية – الاميركية والمخاوف المتزايدة في واشنطن من امتداد نفوذ “داعش” الى الرمادي في العراق وتدمر في سورية. هذه الأجواء ومكاسب المعارضة السورية في الشمال والجنوب تمهد في رأي الاميركيين للبحث مع إيران في امكان التخلي عن حليفهم الاستراتيجي بشار الأسد.

التوازن الاقليمي الذي تسعى اليه واشنطن يطال فتح القنوات الاقتصادية والسياسية المغلقة مع إيران منذ الثورة في 1979 والسعي الى تغيير دور طهران التخريبي إقليميا. هذا الرهان يتم أيضا بالتصدي الى هذا الدور مع دول مجلس التعاون الخليجي، العمود الأساسي للاستقرار الاقليمي والمصالح الاميركية في الشرق الاوسط. ومن هنا كانت الضمانات الدفاعية والأمنية وتجهيز القوات الخاصة والرد على اي اعتداء ضمن رزمة كامب ديفيد. كما يرسم الدعم الاميركي لعاصفة الحزم الخط الأحمر لإيران اقليميا.

هذه الخطوط سيستكمل رسمها أمنيا وسياسيا في الفترة التي تسبق الاتفاق وبعد توقيعه. رهان أوباما هو على خط معتدل في ايران سيحسن العلاقة مع واشنطن وسلوك طهران الاقليمي، الا ان الحروب المحيطة بإيران والصعود الميليشياوي لتحركاتها الاقليمية ينبئ بغير ذلك.