كان الرهان، قبل التوصّل إلى اتفاق بين الدول الست وإيران في الخلاف القائم حول إصرار إيران على امتلاك قنبلة ذرية، حتى من الدول الست نفسها والعالم على أن هذا الاتفاق سينعكس إيجاباً على الوضع الملتهب في منطقة الشرق الأوسط الممتدة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، وكان بعض اللبنانيين أكثر تفاؤلاً من باقي الدول بالنسبة إلى الانعكاسات الإيجابية لهذا الاتفاق وتأثيره الإيجابي المباشر على حل أزماتهم الداخلية، وفي مقدمها أزمة الانتخابات الرئاسية المتوقفة منذ أكثر من أربعة عشر شهراً ومعها توقفت الدولة بشكل واسع عن أداء مهماتها وتسيير العجلة الاقتصادية والانمائية والاجتماعية، حتى أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي ذهب في تفاؤله بعيداً مؤكداً أن الاتفاق النووي إذا وقّع سيساهم مباشرة في إنهاء الأزمة اليمنية وفي حل الأزمة اللبنانية المتعلقة برئاسة الجمهورية.
الرئيس برّي إنطلق في تفاؤله من أن إيران هي الوحيدة التي تمتلك كل أوراق الأزمة اللبنانية بالنظر لارتباط حزب الله والتيار الوطني الحر اللذين يمنعان انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد بمقاطعتهم للدعوات الكثيرة التي حددها رئيس المجلس لهذه الغاية، ومن هذا الوضع يمكن لإيران بعد دخولها النادي الذري الطلب من حليفيها حزب الله والتيار الوطني الحر سحب اعتراضهما على انتخاب رئيس توافقي يُنهي الأزمة الداخلية والدخول في حوار وطني واسع مع بقية المكونات اللبنانية حول كيفية إعادة تكوين السلطة من وضع قانون انتخابي يحقق التمثيل الصحيح إلى اختيار حكومة اتحاد وطني إلى حل مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية جديدة وبذلك ينتهي لبنان من الصراعات الداخلية وينصرف لتحصين نفسه من الارتدادات الخارجية الآتية من سوريا ومن باقي دول المنطقة التي تعيش أوضاعاً مأساوية.
لكن قراءة واقعية لردود الفعل العربية والدولية على الإعلان الدولي عن التوصّل إلى اتفاق نهائي في شأن الملف النووي الإيراني تحمل تحفظات بعض دول المنطقة ومنها المملكة العربية السعودية المعنية مباشرة بهذا الملف وبالدور الذي تسعى إيران لتلعبه في المنطقة، وهذه التحفظات يجب أخذها في عين الاعتبار لأن المملكة كانت على اطلاع مستمر على المفاوضات الدولية مع إيران منذ البداية وحتى النهاية وتعرف بالتالي كل التفاصيل الجانبية المتعلقة بهذا الاتفاق. واللافت في هذا السياق ما جاء على لسان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط تعليقاً على الاتفاق الدولي – الإيراني، بما يوحي الى أن المنطقة دخلت في عالم آخر بزوال الدول العربية القائمة حالياً من الوجود ثمناً أو نتيجة لهذا الاتفاق بما يعني أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يعتبر أن الغرب وأميركا عقدا صفقة مع إيران تقضي بتسييدها على العالم العربي كدولة إقليمية وحيدة وحقها في إعادة رسم خريطة المنطقة وتطبيق هذه الخريطة على أرض الواقع بما في ذلك تغيير معالم الدول العربية القائمة على طريقة سايكس بيكو التي قسمت قبل حوالى المئة عام المنطقة العربية إلى عدّة دول لضمان قيام دولة إسرائيل واستئثارها بالوضع العام الذي يُنهي الطموح القومي في الوحدة العربية ويحوّل العالم العربي إلى عالم مضطرب بشكل دائم.