IMLebanon

ما بعد النووي … مرحلة إنتظارية في الشكل و مشتعلة في المضمون

لن ينقطع سيلُ التوقعات والسيناريوهات حول ما بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية إذ سيُنسَج كثيرٌ منها على مساحة لبنان والمنطقة برمّتها، حول ما ستكون عليه الاوضاع في هذه الدولة أو تلك وعلى هذا المحور وذاك.

ينقسم المراقبون في توقعاتهم لما ستكون عليه المرحلة بعد «اتفاق فيينا» الى فريقين، الأول متريّث والثاني مستعجل. يقول الفريق الأوّل إنّ المنطقة بأزماتها المتعددة من لبنان الى اليمن مروراً بسوريا والعراق والبحرين ستشهد مرحلة انتظارية في الشكل ومشتعلة في المضمون، على وقع النقاش والأخذ والرد الذي سيحصل في الإتفاق داخل الكونغرس الأميركي وخارجه، فضلاً عمّا سيحصل من ردود أفعال وتحركات في دول الجوار الإيراني التي تَعتبر نفسَها معنيّة بهذا الاتفاق، أو تتوقع أن تكون له إنعكاسات عليها، وهي دول تنقسم بين مؤيِّدة له ومتحفظة عنه أو معارضة صراحة أو بلا إعلان.

ويعتقد هذا الفريق أنّ الأزمات السائدة في اليمن وسوريا والعراق ستشهد مزيداً من التصعيد في الأسابيع والأشهر المقبلة الى حين تبلور ما سيؤول إليه مصير الاتفاق النووي داخل الولايات المتحدة الأميركية حتى يُبنى لاحقاً على الشيء مقتضاه.

ويرى هذا الفريق أنّ التصعيد في الأزمات الإقليمية المنتظَر في قابل الأيام والأسابيع سيكون شبيهاً بالتصعيد الذي شهدته هذه الأزمات في الأسابيع التي سبقت توقيع الاتفاق، وهو تصعيد ستكون غاية المبادرين إليه، على الارجح، تحقيق مكاسب ميدانية لتعزيز موقعه على طاولة المفاوضات الآتية لبلورة حلول سياسية لكلّ تلك الازمات.

ففي اليمن بدأ التحالفُ الذي تقوده المملكة العربية السعودية طوراً جديداً في حربه على حركة «أنصار الله» الحوثية وقوات الرئيس السابق علي عبداله صالح على وقع استمرار غاراته الجوية، ويدلّ على هذا التصعيد الانزالات الجوية التي بدأها التحالف في مدينة عدن بغية استعادة السيطرة عليها بما يوحي وجود رغبة لديه بتغيير موازين القوى العسكرية على الأرض لتعزيز الموقف التفاوضي، أو فرض حلٍّ سياسي يكون لهذا التحالف اليد الطولى فيه، علماً أنّ الفريق الآخر يصعّد من هجماته عبر الحدود السعودية ساعياً أيضاً الى تحقيق مكاسب، أو للصمود اعتقاداً منه أنه بصموده يعزّز موقفه التفاوضي في مواجهة التحالف بقيادة الرياض التي ترغب بأن يكون الحلّ اليمني أكثرَ رجحاناً لمصلحتها لما يشكّله اليمن من عمق استراتيجي بالنسبة الى أمنها القومي.

وفي البحرين، ربما تبدأ الأزمة فيها للاتجاه نحو التهدئة، خصوصاً في ضوء مبادرة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الى الاتصال بالقيادة الإيرانية وتهنئتها بالاتفاق النووي، ما يشير الى أنه يرغب في التهدئة والخروج من دائرة اتهام الجانب الإيراني وحلفائه بالتدخل في الأزمة البحرينية.

أما في العراق فإنّ الوقائع على الأرض تشير الى إصرار الحكومة العراقية جيشاً و«حشداً شعبياً» وغيره على تحرير منطقة الأنبار من «داعش» واخواتها وصولاً الى الحدود السورية وفتح الطريق أمام استعادة الموصل، وذلك بعد التقدّم الذي كانت «داعش» أحرزته في الأسابيع الأخيرة في الأنبار وغيرها.

وهذا الواقع العراقي سيوازيه تصعيدٌ في العمل العسكري سيلجأ اليه النظام السوري وحلفاؤه في قابل الايام، بعد صدّه الهجمات الأخيرة التي شنّها مقاتلو «داعش» و»جبهة النصرة» واخواتهما، سواءٌ عبرَ «عاصفة الجنوب» في درعا وجوارها أو في الزبداني، وصولاً الى تدمر وصحرائها والحسكة والى جسر الشغور في ادلب وحلب وجوارها.

إذ يُتوقع أن يشنّ الجيشُ السوري معارك كبيرة في قابل الأيام والأسابيع لتحقيق مزيد من التقدم الميداني، على وقع الحراك الروسي الناشط لترتيب حوار سوري ـ سوري يفضي الى حلٍّ سياسي، في موازاة العمل على تنفيذ اقتراح الرئيس فلاديمير بوتين بتشكيل تحالفٍ إقليمي من السعودية وسوريا والعراق والأردن وتركيا لمحاربة الإرهاب وعلى رأسه «داعش». وتشير التوقعات الى أنّ المواجهات العسكرية في سوريا ستكون واسعة النطاق وعلى مختلف الجبهات.

أما في لبنان، فيرى هذا الفريق أنّ الاهتمام سيبقى منصبّاً على صَوْن الاستقرار المفروض بإرادة إقليمية ودولية على وقع استمرار الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» وفي ظلّ استمرار المحاولات لمنع التعطيل الحكومي وإنهاء التعطيل التشريعي وبلورة معطياتٍ داخلية تساعد في لحظة ما على إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

أما الفريق المستعجل من المراقبين فإنه الى توقعه كالفريق المتريّث بحصول تصعيد في الحروب الدائرة في سوريا والعراق واليمن قريباً، فإنه يعتقد أنّ قطفَ ثمار الاتفاق النووي لن يتمّ قبل شهرين على الأقل ليأتي شهر أيلول و»طرفه بالشتي مبلول»، إذ خلال هذه الفترة يكون مصيرُ الاتفاق تبلور في الداخل الأميركي وتبلورت معه المواقف الاقليمية والدولية ومنه.

ويرى هذا الفريق أنّ هذا الاتفاق سيفتح المنطقة والعالم على مرحلة جديدة وأنه مهما لاقى من اعتراضاتٍ هنا وهناك فلن يتمكّن أحد من إسقاطه أو عرقلته. ويقول إنّ الاهتمام سينصبّ في الأسابيع المقبلة على إحداث خرقٍ ايجابيّ في العلاقة السعودية ـ الإيرانية، إذ من دون هذا الخرق الذي يُفترض أن يكون أساسه تفاهماً على إنهاء الازمة اليمينة، لا يمكن مقاربة بقية الأزمات الإقليمية الأخرى وإيجاد حلول لها خصوصاً أنّ لكلٍّ من الرياض وطهران تأثير فيها.

ولا يستبعد هذا الفريق أن تكون طهران هي المبادِرة في اتجاه الرياض وغيرها من العواصم الخليجية والإقليمية لتطمينها الى أنّ الاتفاق النووي سيكون لمصلحة كلِّ دول المنطقة وشعوبها، وأنّ المعارضة الإسرائيلية له لن تقدّم أو تؤخّر فيه ولن تثني إيران عن موقفها منها كدولة عدوّة للعرب والمسلمين ومغتصبة لفلسطين ومدنّسة للمقدَّسات الإسلامية والمسيحية فيها.