احتدمت أمس، جلسة مجلس الوزراء، خلال مناقشة البند الأول على جدول الأعمال المتعلّق بطلب وزارة الاتصالات النظر في الموافقة على صفقة تلزيم الخدمات والمنتجات البريدية لشركة ميريت إنفست بالائتلاف مع شركة colis prive france، غداة فوزها بالمزايدة كعارض وحيد ورفض الصفقة من ديوان المحاسبة.
جاء موضوع النقاش استكمالاً للجلسة السابقة حين استمع المجلس إلى رئيس ديوان المحاسبة محمد بدران، الذي عرض أسباب رفض الصفقة، شارحاً الأسس القانونية لهذا الرفض. علماً أن رأي الديوان أتى مطابقاً لتقرير رئيس هيئة الشراء العام جان العلية الذي استمع المجلس له أمس.
في الجلسة فجّر وزير الاتصالات جوني القرم، مفاجأة مفادها توجيه اتهام مباشر إلى رئيس ديوان المحاسبة ورئيس هيئة الشراء العام بـ”الكذب” واستخدام مواقعهما للضغط لتعديل دفتر الشروط لصالح عارض محدّد، مبرزاً مقتطفات من محادثات على الواتساب بشأن الصفقة وتقارير الديوان وهيئة الشراء العام. وذكر القرم أن اجتماعاً حصل بينه وبين بدران في مكتب أحد المحامين يوم الجمعة الماضي، وتطرّقا إلى نتيجة المزايدة. وقال الوزير إن إعادتها مع إعداد دفتر شروط جديد سيأخذ الأمر نحو سنة ويسبّب هدراً إضافياً في المال العام. فردّ بدران بأنه مستعدّ لمعاونته وإنهاء المزايدة الجديدة خلال ثلاثة أشهر إذا وافق الوزير على خفض حصّة الدولة من إجمالي الربح من 10% إلى 7%. ولم يوافق الوزير على الكشف عن اسم المحامي الذي عُقد الاجتماع في مكتبه، إلا أنه كشف عن مراسلة وردته من رجل الأعمال وسام عاشور الذي حاول المنافسة على الصفقة مع شركة غانا بوست، يطلب فيها منه تعديل بعض البنود في دفتر الشروط وأولها نسبة الأرباح لتصبح 7%. كذلك قال القرم إن العليّة كان حاضراً في مختلف مراحل تعديل دفتر الشروط ووافق على كل شيء وهو من أعدّ إعادة النظر له قبل عرضه على الديوان.
العليّة نفى الاتهامات التي وجّهها إليه القرم، مؤكداً أن ما يقوله هو من نسج الخيال، وأنه يقارب التقارير والقانون والمراسلات والكتب الموثّقة منذ عام 2021 بكلام فارغ لا يعبّر سوى عن إفلاسه ورغبته بتمرير صفقة مخالفة لكل القوانين. وعدّد العلية المخالفات، من عدم وجود دراسة مالية معمّقة أو دراسة جدوى اقتصادية لصفقة تلزيم لمرفق عام لمدة 9 سنوات، وعدم تحقيق شرط المنافسة حتى عند تعديل البنود وخفض المعايير وعدم الالتزام بتوصية تمديد المهل وصولاً إلى المبالغة في شرط حجم رأس مال الشركات المسموح لها التقدّم للمزايدة، ما لا يتيح فرصة أمام أيّ عارض آخر بالتقدّم. والأهم عدم انسجام السعر المقدّم مع القيمة التقديرية.
غداة احتدام السجال، طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من العلية وبدران مغادرة الجلسة، ثم قرّر مجلس الوزراء مجتمعاً “تكليف وزير الاتصالات برفع تقريره النهائي والمفصّل حول الموضوع المطروح تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب”.
قرار مجلس الوزراء يثير علامات استفهام ولا سيما أنه كان يفترض به الخروج بموقف واضح ومعلّل حول المسألة، ولا سيما بعد مرورها على هيئتين رقابيتين هما هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة، إلا إذا كانت هناك نيّة لكسر قرار الديوان. كذلك أراد المجلس تفادي إثارة ضجّة حول المسألة من خلال شراء الوقت.
القرم يتّهم العلية وبدران، والأول يردّ بأن كلامه من نسج الخيال
وبحسب مصادر وزارية، فإن المداولات بين الوزراء بعد خروج العلية وبدران، أتت في اتجاه لملمة الموضوع وشراء الوقت، لذا طُلب من القرم بدايةً تحضير العقد للموافقة عليه، إلا أنه بعد التشاور، تقرّر إخراج الأمر بالشكل الذي خلص إليه، أي إلى حين عرض تقرير القرم على المجلس في الجلسة المقبلة.
في الواقع، يُفترض بالوزراء أن يشرحوا ما الذي دفعهم إلى الاقتناع بهذه الوجهة أو تلك، وأن يوضحوا كيف تعاملوا مع الملاحظات القانونية المقدّمة من ديوان المحاسبة بشأن مخالفات المزايدة. فإذا كانوا على قناعة بكلام الوزير المبني على اتهامات بممارسة النفوذ لمصلحة عارض غير الذي فاز، سواء من قبل هيئة الشراء العام أو الديوان، فيتحتّم عليهم محاسبة مرتكب المخالفة، خصوصاً أن منصبه لا يسمح له بارتكاب أي أخطاء فكيف إذا كان الأمر يتعلق باستخدام النفوذ والقوانين لإفساد نتيجة مناقصة خدمةً لعارض آخر؟ لذا، فإن المجلس أمام خيارين؛ الإقرار بصوابية تقرير ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام اللذيْن قالا بأن القرم فصّل دفتر الشروط على قياس الرابحة، أو محاسبة رئيس الديوان والعلية.