منذ بداياتي في الكتابة التي تعود الى اواخر الخمسينات من القرن الماضي، كنت ادعو الى بناء وطن صلب، على قاعدة العلمانية المؤمنة، ولكن مع فصل الدين عن الدولة، تطبيقاً لقول يسوع، «اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله» ولكن تحالف رجال الدين المسيحيين والمسلمين، مع اهل السياسة التقليدية على مرّ العهود، أفشل كل سعي ونشاط وتحرّك باتجاه انقاذ لبنان من النظام الطائفي، المقنّع بقناع الديموقراطية، وبدلاً من اضعاف القبضة الطائفية التي كانت تمسك بخناق لبنان، اشتدت هذه القبضة في زمن الحرب، واستفحلت بعد تلزيم لبنان الى النظام السوري، بموجب اتفاق الطائف، الطائفي بامتياز، الى ان وصلنا الى لبنان المذهبي، الذي هو ابشع بكثير من لبنان الطائفي، وتحديداً منذ العام 1992، تاريخ اول انتخابات نيابية في لبنان، حيث اقصي المسيحيون عن الحكم، وتوزّعت حقوقهم على المسلمين من سنّة وشيعة ودروز، وعلى مسيحيي النظام السوري، وهم عددياً لا يشكلون 10 بالمئة من مجموع عدد المسيحيين، ولو ان القادة المسلمين يومها وقفوا وقفة الرئىس تمام سلام الشجاعة، وتضامنوا مع المسيحيين في رفض قانون الانتخاب الذي يهمّش المسيحيين ويلغي وجودهم الفاعل، لكانوا انقذوا اتفاق الطائف من التنفيذ الاعتباطي، وانقذوا المشاركة المسيحية ـ الاسلامية، ودخلوا فعلاً في علمية تجديد النظام اللبناني، من خلال الغاء الطائفية، وتنفيذ اللامركزية الادارية الموسعة واجراء انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي، ولكنهم مع الاسف عمدوا الى ملء وظائف المسيحيين في الادارة والجيش وقوى الامن، وحرموا المناطق المسيحية من الانماء المتوازن، وتربّعوا في الحكم مع من كانت تفرض الوصاية السورية في الرئاسة الاولى والحكومة ومجلس النواب والجيش وقوى الأمن، والمراكز الحساسة الاخرى، وما زاد في الطين بلّة، انه بعد عشر سنوات على انسحاب القوات السورية من لبنان، لم يحاول الشركاء المسلمون في 8 و14 آذار، ابداء اي نيّة حقيقية في اعادة التوازن الوطني الحقيقي الى وزارات الدولة واداراتها ومؤسساتها، الا في حدود ضيّقة جداً، فرضها الاصطفاف السياسي احياناً، واخلاقية بعض الوزراء المسلمين والموظفين الكبار احياناً اخرى، وكأن الشركاء في الوطن، اعتبروا ما كسبوه من حقوق للمسيحيين، غنائم حرب، يرفضون ان يتخلّوا عنها.
* * *
هذه الطريقة في التعامل مع المسيحيين، لم تعد مقبولة عند الاكثرية الساحقة منهم، والحلّ بسيط، فاما مشاركة طائفية كاملة، بعيداً عن تضارب القول والفعل، واما لا مركزية ادارية موسعة، وقانون انتخابات خارج القيد الطائفي مع مجلس شيوخ طائفي، واما دولة مدنية علمانية، وفصل الدين عن الدولة شو فهمنا؟!