من غير المستغرب ان تنتهي أزمة مرسوم الأقدمية لضباط دورة ١٩٩٤ كما معظم القضايا الخلافية في لبنان، بخطوات متبادلة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وتاليا بلا غالب أو مغلوب، وأقله على طريقة النأي بالنفس أو اعلان بعبدا، حيث يلتزم كل طرف فيه، بما يناسبه منه، ودائما تحت سقف الاستقرار الذي يفيّئ الجميع.
وسيكون الحل، الذي بشّر به السيد حسن نصرالله بين صديقينا وحليفينا تسوويا، اضافة من هنا، وتوقيع من هناك، ومن لا نص فيه، نحتسبه عرفا، المهم ان لا تنكسر الكلمات، ولا تبلغ التحديات مرحلة اللارجوع.
ويأتي دخول السيد نصرالله على خط المرسوم – المشكلة، بعد افساح اللواء عباس ابراهيم المجال لمساعي الرئيس سعد الحريري الأولى بالعمل كما قال المدير العام للأمن العام، وتكليف الرئيس بري للوزير علي خليل بمناقشة الطروحات، بدلا منه، مع الرئيس سعد الحريري، الذي وقّع مرسوم الأقدميات الى جانب توقيع رئيس الجمهورية، لكنه جمّد نشره في الجريدة الرسمية، ممسكا العصا من الوسط.
وعلى هذا كان عدم التطرّق الى مرسوم الأقدمية في جلسة مجلس الوزراء أمس، كي لا تتعكّر الأمزجة وتعاد البنود الأخرى، ومنها اعتماد الخمسين مليارا، لتغطية أكلاف الانتخابات النيابية.
بعض الأوساط بدأت تتصرّف وكأن مشكلة مرسوم الضباط قد حُلّت من حيث المبدأ، ولكن ماذا بعد؟ المؤشرات تدلّ على أكثر من اتجاه، البعض يفضّل أخذ الاتجاه المفضي للانتخابات النيابية، متجاوزا الاشكالات الأخرى، الظاهرة أو المستترة، القابلة للتريث والتأجيل، لكن بعض الأوساط الاعتراضية، ترى ان مشاكل النفايات والكهرباء والنفط، وسواها من الملفات المصنّفة في خانة القابلية للفساد، يمكن ان تنتظر، لكن بعض ما جاء في مقابلة السيد نصرالله مع قناة الميادين، من حشد للمقاومين في الجنوب اللبناني، ضمن اطار المواجهة مع اسرائيل، داخل الأرض المحتلة، عبر انتفاضة شعبية فلسطينية مدعومة، أو خارجها من حدود الجوار، وضمنها حدود لبنان، سبّب نقزة قوية لهؤلاء، خصوصا بعد نأي مجلس الوزراء أمس بنفسه عن هذا الموضوع القابل للاشتعال، في حال استمرار تطاير الشرر من الساحات الايرانية.
بعض القوى المعترضة على الصمت الرسمي كالدكتور سمير جعجع والدكتور فارس سعيد تناول الموقف من حيث المبدأ، مبدأ القرار، قرار الحرب والسلم، وقرار فتح الحدود واغلاقها، بمعزل عن شمولية مبدأ النأي بالنفس، المواجهة مع اسرائيل، أو عدم شموليتها، لأن المسألة تتعلق باستقرار لبنان، ومصيره.
مصادر هؤلاء تتحدث عن عقدة الاستقرار التي تلزم البعض بغض النظر، أو الاتكال على الأقدار، أو على ظروف الآخرين، فيما بعضهم يردّد قولا بليغا لشاعر سوداني وفيه: من لا تجانسه لا تجالسه… ما ضرّ بالشمع إلاّ صحبّة الفتل….
والمقصود ان الفتيل هو من يحرق الشمع ويذيّبه وبهذا المعنى كانت دعوة الدكتور فارس سعيد الحكومة الى الاستقالة، وتسليم زمام الأمور لمن هي برأيه، في يده…
وبالطبع هذا الانفعال المبرر لا بحلّ المشكلة بل ربما يفاقمها، من خلال اطلاقه الحبل على الغارب، فضلا عن ان الدعوة للاستقالة، جزء منها تسجيل موقف والجزء الآخر، وهو الأهم، اضاءة على واقع حال السلطة مع النأي بالنفس الذي أربك الحياة السياسية في لبنان، على امتداد الخريف الفائت.
عقارب البوصلة اللبنانية، ما زالت تؤشر على الاستقرار، وربما من حسن الحظ ان هذا الاستقرار فعل ارادة خارجية مقرونة بارتياح داخلي وترحيب، لكن الاستقرار كالعادة لا يتحقق ويستمر إلاّ مع السعي اليه والمحافظة عليه، مصحوبا بنسبة من الايثار الوطني، تتجاوز أي تبعية أو ارتهان لمصالح الخارج، وبالقدر نفسه للنرجسيات الذاتية والأنانيات السياسية التي غالبا ما تضلّل صاحبها عن الطريق السليم لينتهي في حفرة.
وقديما قيل حق يضرّ خير من باطل يسرّ…