دخلت “ليبان بوست” عامها الـ26 من إحتكار القطاع
في 16 كانون الثاني الجاري أي غداً يكون قد مرّ شهران على قرار مجلس الوزراء بتكليف وزارة الإتصالات إجراء مزايدة رابعة لتلزيم قطاع البريد، بعدما رفض ديوان المحاسبة نتائج التلزيم الثالثة مرتين، بقرارين صدرا في 23 آب و5 تشرين الأول من العام الماضي. ليصبح بذلك الوقت الضائع منذ جلسة فضّ العروض في المناقصة الثالثة في 12 تموز 2023، نحو سبعة أشهر تقريباً، تضاف إلى الأشهر التي استغرقتها المحاولات التي جرت لتلزيم القطاع مرتين سابقتين منذ إطلاق المزايدة في 18 تشرين الأول من سنة 2022، ما يرفع مجموع الوقت الضائع إلى نحو سنة وثلاثة أشهر، إستهلكت نحو عشرة أشهر منها في محاولة ترسية العقد على ائتلاف Colis Privé France و»ميريت إنفست» منذ فضّ نتائج المزايدة الثانية في 30 آذار من العام الماضي.
دخلت شركة «ليبان بوست» هذا العام أيضاً في سنتها الـ26 من احتكار قطاع البريد، وسط معادلة مالية سلبية استمرّت منذ تموز 1998، عندما انقلبت أرباح الدولة من هذا القطاع قبل مرحلة تلزيمه للقطاع الخاص، إلى خسائر. ترافقت هذه الخسائر بالطبع مع تمديد متكرّر لعقد الشركة من دون إعادة التفاوض بشروطه بما يراعي مصلحة الدولة، على الرغم من التوصيات والقرارات التي صدرت بذلك عن الهيئات الرقابية، ولا سيّما ديوان المحاسبة. فاستمرّت إدارة الملف بما وصفه ديوان المحاسبة «محاباة ومسايرة فوق العادة» في التعاطي مع «ليبان بوست»، يبدو أنها متواصلة مع مرحلة تمديد جديدة.
وفيما كان يفترض بالتمديد الأخير للشركة المشغّلة أن ينتهي في شهر أيار من العام 2023، مع إمكانية تقليص هذه المهلة متى أنجزت عملية التلزيم الجديدة، أقرّ القرار الصادر عن مجلس الوزراء في 16 تشرين الثاني الماضي، تمديداً جديداً لـ»ليبان بوست»، وهذه المرة من دون أجل محدّد. وهذا ما يثير هواجس كثيرة من أن تكون النتيجة التي انتهت إليها إدارة الملف، سارت وفقاً لما هو مخطط لها بالأساس.
كتابان إلى ديوان المحاسبة
هذا في وقت يتجنّب وزير الإتصالات جوني القرم حتى الآن تحديد موعد لإعادة إطلاق مزايدة البريد، مكتفياً بالإشارة إلى أن الأمر سيستغرق وقتاً. وبالحديث عن الوقت المستغرق، لم يطرأ منذ صدور قرار مجلس الوزراء الأخير وحتى اليوم أي تطوّر عملي باتجاه تطبيق هذا القرار، باستثناء توجه وزير الاتصالات بكتابيْن جديديْن أرسلا أخيراً إلى ديوان المحاسبة.
يطلب كتاب وزير الإتصالات الأول توضيحات حول دراسة الجدوى التي أصرّ عليها الديوان، حيث يقول القرم لـ»نداء الوطن» إنّه طلب من الديوان «تحديد المكوّنات الأساسية التي يجب أن تتضمّنها الدراسة، تجنباً لملاحظات لاحقة، علماً أنّ هذه المكوّنات ستظهر لنا من يمكن أن يقوم بالدراسة، وعمّا إذا كانت بحاجة إلى إجراء مناقصة لتلزيمها، أم يمكن أن نجد جهة تقدّمها لنا، كما سبق وفعلنا مع دار الهندسة. فلكي نحدّد دفتر الشروط لدراسة الجدوى نريد أن نعرف بالضبط ما هو مطلوب».
أما بالنسبة للكتاب الثاني المرسل لديوان المحاسبة، فيقرّ القرم أنه ليس من صلاحيات الديوان، بل يفترض تعديل جداول أسعار الخدمات البريدية الواقعية مع «ليبان بوست» بحسب توجيهات مجلس الوزراء، والذهاب إلى مجلس شورى الدولة. ولكن تعديل الأسعار بالمقابل لا يحقّق التوصيات السبع التي أوصى بها الديوان في قراره الصادر سنة 2021 تحت الرقم 21، ولذلك توجّهنا إلى ديوان المحاسبة لنرى ما إذا كان يحق لنا تعديل الأسعار من دون تطبيق التوصيات».
وكان القرم قد كشف لـ»نداء الوطن» على أثر انعقاد جلسة لجنة الإتصالات النيابية الأخيرة أن الوزارة «تلقّت اقتراحاً من «ليبان بوست» وحوّلته إلى المدير العام لدراسته وإعطاء الإجابة، وعندما تكون هناك قناعة بهذا الأمر سيحوّل إلى ديوان المحاسبة».
بالنسبة إلى وزير الاتصالات، فإنّ تعديل العقد «يجب أن يتمّ بالتوافق، وسبق لـ»ليبان بوست» أن أقرنت السير بتوصيات ديوان المحاسبة بتمديد مهلة العقد معها. وهي قد طلبت في المفاوضات التي خيضت معها قبل إطلاق عملية تلزيم الخدمة، تمديداً لمدة 13 سنة، مقابل تنفيذ التوصيات السبع. وكوزارة فاوضناها لتقليص المدة إلى ثمانية أعوام، ووصلنا إلى نتائج مقبولة مشابهة للنتيجة التي وصلنا إليها بالمزايدة الثالثة، ولكن عندما عرضناها على مجلس الوزراء رفض التمديد وطلب السير بعملية تلزيم جديدة».
لعبة إضاعة الوقت
مصدر خبير في قطاع البريد والإتصالات وضع الكتابين المرسلين إلى ديوان المحاسبة في إطار لعبة الوقت الضائع التي تمارسها وزارة الاتصالات حتى الآن، متوقّعاً أن لا يُستدرج إليها الديوان، وأن يأتي رده سريعاً وحازماً في الإصرار على الثوابت التي حدّدها في قراره الذي رفض بموجبه نتائج المزايدة الثالثة، إن كان لناحية دراسة السوق المطلوبة، أم لجهة تحديد الشروط في العارضين لجهة تناسبها مع موضوع، وحجم، وأهمية الأعمال المطلوب تلزيمها، أم لناحية تأمين المنافسة وحفظ حقوق الدولة من أي عملية تلزيم خدمات تجري للقطاع الخاص.
ورأى المصدر في كلام القرم عودة بعقارب الساعة إلى ما قبل إطلاق مزايدة البريد مجدداً، وهذا ما يعزّز برأيه الشكوك حول كون ائتلاف Colis Privé France و»ميريت إنفست» و»ليبان بوست» وجهين لعملة واحدة. وذكر بأن «ليبان بوست» كادت تتحوّل العارض الوحيد المقبول في المزايدة الأولى التي أطلقت، لولا منازعاتها القضائية التي حالت دون نيلها براءة الذمة للمشاركة في المزايدة.
ولفت المصدر في المقابل إلى أن «الوزارة ليست صندوقاً لتلقّي الإقتراحات، وإنما هي المسؤولة عن وضع السياسات التي تراها مناسبة لمصلحة المواطنين وخزينة الدولة في إطار مسؤولياتها. وهذه المصلحة لا تتحقّق إلا بدراسات تجري للسوق في كل عملية تلزيم، لتحديد حجم القطاع المطلوب تلزيمه، مستقبله، وحجم الواردات التي يجب أن تتأمن للدولة من إدارته. الأمر الذي ينطبق حتماً على قطاع الخدمات البريدية، علماً أنه لو أجرت الوزارة هذه الدراسة منذ البداية لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم». ومن هنا يقول المصدر «إذا كانت وزارة الإتصالات مستعدة لتمرير صفقة شراء تجهيزات عبر مجلس الوزراء من دون العودة لهيئة الشراء العام، فلماذا هذه المماطلة في التقدم بطلب الإعتمادات للانطلاق بدراسة الجدوى لتلزيم قطاع البريد؟».
واعتبر أنّ لعبة الوقت الضائع لا تعطي مؤشرات إيجابية حول إطلاق عملية التلزيم، وهو ما يثير ريبة من إمكانية العودة إلى الأداء السابق الذي ينتهي إلى غضّ النظر عن كل عملية تلزيم لا تأتي بالنتائج المرجوّة منها على قياس التوقعات المخطط لها». وهذا وفقاً للمصدر «نهج خطير، يغطي أموراً غير شرعية وغير صحية، وتضر بالمصلحة العامة».
وحمّل المصدر مجلس الوزراء الذي قرر إعادة المزايدة مسؤولية تنفيذ قراره، طارحاً عدة تساؤلات يعتبر أن الإجابة عنها من حق الرأي العام الذي يجب أن يعرف بأي طريقة تدار موارد الدولة. وأبرز هذه التساؤلات ما يتعلق بالمهلة التي حدّدها وزير الإتصالات لنفسه ولإدارته من أجل إطلاق دفتر الشروط الجديد. وبالتالي إلى أي أجل ينوي التمديد لـ»ليبان بوست»، وما هي خططه لتعديل شروط العقد الموقع معها خلال فترة إدارتها الممدّدة. ليخلص إلى «أن الخطوات العملية التي ستتخذ سواء في إطلاق عجلة تلزيم رابعة أم تحسين موقع الدولة من عقد «ليبان بوست»، كفيلة وحدها بإزالة الشكوك التي يثيرها التعاطي مع هذا الملف منذ انطلاقته».