IMLebanon

استسهال «تأجيل» الخلافات العميقة لا يُسهّل إنضاج قانون للانتخاب

عندما تصير الخلافات الجوهرية مستعصية على الحل في الأمد المنظور، ومحتبسة عن الانفجار الحاد في نفس الوقت، تقوى الدعوات والمحاولات والمبادرات لوضع هذه الخلافات الجوهرية، مثل الخلاف حول «حزب الله» وليس فقط معه، في اطار يعزلها عن مشكلات أقل وطأة ولا يفترض أن تكون مستعصية، وتتصل عموماً بتسيير المرافق العامة، وتيسير أحوال الناس. من وراء هذه المحاولات يبرز الرهان بأن يؤدي تقديم ما يمكن تجاوزه من خلافات «عارضة» على ما لا يمكن تجاوزه من اختلافات «راسخة» الى اخماد الجمر المستعر تحت الرماد شيئاً بعد شيء. بقي ان هذا التصور، الذي يقسّم الأمور بهذا الشكل، لا يمكنه ان يثبت نفسه في الوقائع، الا في ما ندر، وبالكاد.

لكن، بالنتيجة، هي ثنائية تفرض نفسها: تقسيم الامور بين اساسية ومستعصية ويجري البحث عن عزلها نسبياً عن غيرها من امور، وبين الامور الاخرى التي يبرزها ضغط حياتي واقتصادي واجتماعي، بل تبرزها الحاجة للحفاظ على مؤسسات الدولة ومرافقها، ولو لم تكن مؤمنة أسباب سيادة هذه الدولة على ترابها، وحدودها، وسيادة حكم القانون فيها.

كل القوى السياسية الاساسية في البلد اليوم، طوّرت على طريقتها، هذا النوع من تقسيم الامور، وكل قوة منها تدرك بشكل او بآخر ان هذا التقسيم لا هو يصف الواقع، ولا هو قادر على التأثير بشكل واضح على مجرى الامور.

لا يعني ان كل الخطابات متساوية في هذا الامر. ثمة من يميل مع الوقت الى اعتبار «المستعصي» قد صار «مؤجلاً» الى فترة لاحقة، وثمة من يدرك او تجعله الوقائع والمواقف وخارطة المواقع يدرك، اراد ذلك او لم يرد، انه اذا كان من الجائز محاولة عزل المشكلات المستعصية والجوهرية عن المشكلات الجزئية التي يمكن التداول بشأن حلها، الا ان هذا العزل هو افتراضي للغاية، خيالي اكثر مما هو واقعي، ولا يؤسس لتراكم بل انه سريع العطب، وبالتالي لا يمكن بأية حال من الأحوال ترحيل الخلاف المستعصي الى مرحلة لاحقة، ومن ثم التحالف عملياً مع الخصم «العميق» بحجة ان الخلاف معه ستأتي ساعته «لاحقاً».

فاذا وضعنا استعصاء مشكلة «حزب الله» وسلاحه في مقابل استعصاء ايجاد قانون للانتخاب بعد الحرب يمكن ان يتشكل إجماع وطني منهجي حوله، تصير المفارقة اكبر: قد يكون من الممكن المناقشة في معالجة قضية تربوية او مطلبية او اقتصادية او اجتماعية قبل ان تحل المشكلة مع الحزب، لكن لا يمكن الذهاب بعيداً في توهّم الاصلاح السياسي بلبنان على قاعدة استبعاد المشكلة مع الحزب الى زمن آخر. القانون الانتخابي هو عنوان لإصلاح سياسي، بل لإصلاح دستوري، وليس مجدياً حياله التبرير بأنه يمكن وضع مشكلة «حزب الله» جانباً، أو المشكلة معه، والانصراف الى وضع قانون انتخابي ينقل البلد من حالة الى حالة. اولاً، ليس بالقانون الانتخابي وحده يُنقل البلد من حالة الى حالة. ثانياً، ليس في وجود مشكلة عميقة مع «حزب الله» وسلاحه وحروبه، أو على الاقل ليس باستبعاد الخوض في هذه المشكلة، يمكن التعويل على آفاق لإصلاح وتحديث من بوابة قانون الانتخاب! من الوهم استسهال طرح الخلافات الجوهرية جانباً، او مخادعة الذات بأنه سيحين وقتها لاحقاً، وتجاوز حدّ معالجة المسائل الملحّة والحياتية الى اقتراح اصلاحات تحديثية مزعومة للنظام الانتخابي. هذا لا يسهّل إنضاج القانون، واكثر من هذا يقدّم فكرة «غير قانونية» عن القانون نفسه.