تجاوز اللبنانيون، وتحديداً أولئك المتحمسين للانتخابات البلدية، حزبيين ومفاتيح عائلية ومحلية، حاجز الترهيب النفسي الذي يسكنهم خوفاً من تسلل فيروس التمديد الى عروق السلطات المحلية. لكن يبدو أنّ سمّ التشكيك لم يغادر بعد عقول الحاكمين بأمر السلطة، وما زال بعضهم يعتقد أنّه بإمكانه التذاكي على الناخبين وخداعهم بـ «أعذار بصرية» تلغي حقهم بالممارسة الديموقراطية.
قبل أقل من شهر على موعد المحطة الأولى للانتخابات البلدية والاختيارية وفق جدولها الرسمي، ثمة همس خفيّ لا يزال ساري المفعول في الصالونات الضيقة ويحذّر من سيناريو ترحيل الاستحقاق الى ما بعد ست سنوات.
لا أحد يتجرأ على رفع إصبعه مطالبة بتأجيل موعد فتح صناديق الاقتراع، فتلعب القوى السياسية، لا سيما تلك التي تبغض إجراء الانتخابات في موعدها، لعبة بلياردو خفية، تضرب طابة لتصيب أخرى.
بيان وزارة الداخلية المقتضب الصادر مساء يوم الاثنين لم يأت من عبث، بل نتيجة ما تناهى الى مسامع القيّمين على «أم الوزارات» المنهمكة في التحضير لوجستياً وإدارياً للاستحقاق، من سيناريوهات يتم التداول بها حول إمكانية تأجيل الانتخابات البلدية تحت عناوين أمنية يفترض أن يظهّرها مجلس الأمن المركزي.
وفق السيناريوهات المتداولة، فإنّ مجلس الأمن المركزي كان يُنتظر أن يعقد اجتماعاً تقييمياً للأوضاع أمس الخميس لوضع خطة مواكبة للانتخابات، حيث يفيد السيناريو أنّ الخلاصة التي كان سينتهي اليها الاجتماع هي حاجته لمؤازرة المؤسسة العسكرية أيام الاقتراع، بينما سيكون الجيش مشغولاً بمعاركه ضد المجموعات الإرهابية في أكثر من بقعة جغرافية، ما يعني صعوبة القيام بالمهمتين معاً، ما يعني بالنتيجة عدم قدرة القوى الأمنية على تغطية الاستحقاق، واستطراداً صعوبة إجرائها.
رواية تعود بذاكرة البعض الى عشية التمديد لمجلس النواب يوم قدم مجلس الأمن المركزي تقاريره الأمنية التي تفيد بأنّ إجراء الانتخابات النيابية في موعدها دونه صعوبات كثيرة.
ولهذا بدا بيان وزارة الداخلية حاسماً بأنّ «الصنائع» تقوم بواجباتها وهي على أكمل الاستعداد للإشراف على الاستحقاق، واذا كان هناك من يريد دفن الانتخابات، فيفترض به الذهاب الى البرلمان لفتح أبوابه أولاً ومن ثمّ وضع مشروع قانون يمدد ولايات الهيئات المحلية البلدية والاختيارية.
هكذا، يُفهم من البيان المسائي رسالتان، كما يرى بعض المطلعين:
– انّ وزارة الداخلية لن تلّوث يديها بسمّ التمديد إذا أراده البعض، وهي بالتالي لن تتحمّل نتيجة أي تراخٍ قد يبديه فريق سياسي كاره للاستحقاق، وبالتالي هي لن تسمح بتحميلها هذه المسؤولية. ولهذا، فإنّ المعنيين في «الصنائع» يجزمون بأنّ التحضيرات تجري على قدم وساق تحضيراً للموعد الأول في الثامن من أيار المقبل، إن لناحية الحملات الإعلانية التي يفترض بثّها في وقت قريب أو لناحية وضع خريطة أقلام الاقتراع وتجهيز رؤساء الأقلام وبقية الموظفين. وهي بذلك أدّت قسطها للعلى…
الأكيد أنّ أروقة وزارة الداخلية تقدّم الدليل الحسي على أنها صارت جاهزة تقنياً ولوجستياً للإشراف على الاستحقاق، وهي لذلك ترفض أن يصار الى إلصاق تهمة التمديد بها، وتعمل على أساس أنّ الانتخابات ستجري غداً.
– انّ «تيار المستقبل» الذي ينتمي وزير الداخلية نهاد المشنوق الى فريقه، لا يخشى خوض غمار هذا الاستحقاق كما يعتقد البعض، على ما يؤكد ناسه، لا بل هو جاهز لـ «اليوم الكبير» مع فتح صناديق الاقتراع، وإلا لما كان رجل الصنائع حاسماً في موقفه، ولكان ترك ثغرة ما يمكن النفاذ منها للمبادرة باتجاه تأجيل الانتخابات.
على العكس تماماً، يقدّم إصرار المشنوق دليلاً قاطعاً على أنّ «التيار الأزرق» يتحضّر نفسياً ومالياً لمواجهة هذه الانتخابات، مع العلم أنّه من غير المتوقع حصول مواجهات انتخابية كبيرة وقاسية قد تدبّ الذعر في نفوس الحريريين، ومن المرجح أن يُصار الى معالجة ساحات التنافس بمسكّن التفاهمات التي من شأنها أن تخفف العبء المالي أولاً والضغط السياسي ثانياً.
ولذا تراه يرفض تلقّف كرة التمديد النارية ويتركها لمن يريد العرقلة الذي سيكون عليه إحراق يديه أولاً بنارها قبل رميها في سوق التداول. أما بيت الوسط فلا يبدو مهتماً باحتمال التأجيل.
ولكن بالنتيجة، هل هناك من يريد ترحيل موعد فتح صناديق الاقتراع للسلطات المحلية؟
يردّ أحد المعنيين أنّ المشهد الانتخابي قبل أسابيع قليلة من موعد المحطة الأولى، لا يشي بانقلابات سياسية قد تحملها صناديق الفرز قد تدفع بالقوى المعنية الى التراجع في حماستها للانتخابات، ما يعني أنه لا يفترض أن تكون هناك جهة ما غير راغبة باحترام المواعيد الدستورية، ما دامت النتائج شبه مضمونة ولا تحمل مفاجآت أو تغييرات جذرية.
ومع ذلك هناك من يرى أنّ إجراء الانتخابات البلدية في موعدها يعني التسليم بمنطق الانتخابات والالتزام استطراداً بموعد الانتخابات النيابية التي سيصبح من الصعب تأجيلها اذا انتفى العامل الأمني، وهنا العقدة.
لذا، ثمة خشية من العودة الى بازار المقايضة السياسية لصياغة تفاهم من شأنه فتح أبواب البرلمان كونه الجهة الدستورية المخوّلة المصادقة على قرار التمديد من خلال قوننته، حيث يقف المسيحيون حاجزاً صلباً أمام المهام التشريعية لمجلس النواب تحت عنوان رفض التشريع في ظل الشغور الرئاسي. ويذهب البعض الى حدّ السؤال عن المكاسب التي سيطالب بها المسيحيون للمشاركة في «مؤامرة» التمديد. قانون انتخابات مثلاً؟
عملياً، يظل سيناريو التمديد للمجالس البلدية قائماً الى أن يثبت العكس. ويفترض أن يكون المنفذ الى هذا «العكس» هو التفاهم مع القوى المسيحية، المتحمسة أصلاً للاستحقاق، لإقناعها بجدوى عدم فتح صناديق الاقتراع.. وإلا فإنّ الانتخابات ستجري بـ «المِستحى» لأنها لن تجد فدائياً يرفع صوته عالياً منادياً بالتمديد.