ما خلا الرئيس ميشال عون، فإن الأفرقاء الآخرين مع تأجيل تسريح رئيس الأركان وقائد الجيش. لا يريدون الاتفاق على سواهما في مجلس الوزراء، ولا يتمسكون بهما إلا بذريعة تجنّب الفراغ واستمرار الخلاف السياسي وانتظار الرئيس
بعد أقل من أسبوع، حتى 6 آب، يستحق بتّ مصير الرئيس الحالي للاركان اللواء وليد سلمان، عشية إحالته على التقاعد. وسواء التأم مجلس الوزراء حتى ذلك اليوم أو لم يلتئم، سيصار الى تأجيل تسريح ثانٍ لسلمان سنتين أخريين بعد أوليين عام 2013. وعلى غرار ما حصل في المرة الأولى، من غير المستبعد إبرام صفقة متكاملة تشمل ــ الى رئيس الأركان ــ قائد الجيش العماد جان قهوجي والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير.
ومع أن تأجيل تسريح سلمان يُقابل بردود فعل سلبية أقل من قهوجي، نظراً الى وطأة المواجهة التي يخوضها الرئيس ميشال عون لإخراجه من قيادة الجيش، مع تمسّكه في الوقت نفسه بإحلال قائد فوج المغاوير، صهره، العميد شامل روكز محله، إلا أن تأجيلي التسريح متلازمان: لتعذر التصويت على خلف لسلمان ثم لقهوجي في الوقت الحاضر في مجلس الوزراء بغالبية الثلثين على الأقل، ولأن لا مفرّ من إبقائهما في منصبيهما تفادياً للفراغ على رأس القيادة العسكرية.
ثمّة حجتان قانونيتان يتسلح بهما العاملون على هذا الخيار في وزارة الدفاع وقيادة الجيش جنباً الى جنب، من دون أن يخلو من التواء صريح ذي بعدين سياسي وشخصي، خصوصاً في تطبيق أحكام قانون الدفاع:
أولاهما، ضرورة ملء الفراغ المحتمل في رئاسة الأركان الأسبوع المقبل، قبل الوصول الى فراغ قيادة الجيش في أيلول المقبل، كون رئيس الأركان هو الضابط الوحيد الذي يجيز له قانون الدفاع، عملاً بالمادة 21 منه، الحلول مكان قائد الجيش في حال غيابه وممارسته تالياً مهماته وصلاحياته. بيد أن هذه الصلاحية مقيَّدة بالإنابة لا بالإصالة، ما يفترض أن تولي رئيس الأركان صلاحيات القائد موقت وظرفي للغاية، يقتصر على حال غيابه الناجم عن السفر في مهمة، أو وضع صحي طارئ، أو حتى تعيين قائد الجيش وزيراً على نحو ما اختبر مرات بدءاً من عام 1957 عندما حلّ رئيس الأركان الزعيم توفيق سالم محل قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب لدى تعيينه وزيراً للدفاع، ثم بعد انتخابه رئيساً للجمهورية السنة التالية الى حين تعيين قائد جديد للجيش بعد أشهر، وفي حال رئيس الأركان العميد منير طربيه الذي حل بالإنابة محل قائد الجيش العماد فيكتور خوري بعد تعيينه عام 1979 وزيراً للدفاع ومراراً خلال أسفاره، ثم في المرتين اللتين شغرت فيهما قيادة الجيش موقتاً لدى انتخاب العماد إميل لحود عام 1998 والعماد ميشال سليمان عام 2008 رئيسين للجمهورية، فخلفهما بالإنابة اللواءان سمير القاضي وشوقي المصري.
بذلك لا ترى المادة 21 في قانون الدفاع حلول رئيس الأركان محل قائد الجيش أصالة، شأن سائر موظفي الفئة الأولى أو دونها في الإدارة ما أن يُحال الموظفون الأصيلون على التقاعد أو تشغر مناصبهم بالوفاة. ليس القياس نفسه في قانون الدفاع. ولا تعني الإنابة إذ ذاك سوى أنه يحل محل قائد موجود ــ لا متقاعد أو متوفى ــ لكنه غائب لبعض الوقت.
ثانيتها، أن قانون الدفاع لا يتحدث عن حق الإمرة إلا في المادة 39، وحدها، عندما تمنح الضابط الأعلى رتبة حق إمرته على الضابط الذي دونه رتبة. مفاد ذلك أن ليس ثمّة نص في القانون يتيح لدى شغور قيادة الجيش ورئاسة الأركان وضع إمرة الجيش لدى الضابط الأقدم رتبة إلى حين ملء الشغور في رأس هرم القيادة، سواء رئيس الاركان أو قائد الجيش. بل لا يحمل حق الإمرة سوى دور وظيفة عملانية بحتة وتحديد نطاق علاقة الضباط بعضهم ببعض، من الأعلى رتبة إلى مَن دونه. تلك حال حملة عسكرية يسقط قائدها، فيتولى الإمرة للفور الضابط الأقدم رتبة في اللواء أو الكتيبة أو الفوج وسوى ذلك.
على نحو كهذا، ليس للضابط الأقدم رتبة أن ينادي لنفسه ــ أو ينادي الزعماء والسياسيون له ــ بما لم يخوّله إياه القانون. شهد الجيش حالاً يتيمة في 24 تموز 1971 على اثر الموت المأسوي لقائد الجيش العماد جان نجيم في سقوط طوافة كانت تقله ارتطمت بجبل ايطو في الشمال. رغم وجود رئيس للأركان آنذاك هو العميد سعيد نصرالله، سارع العميد زين مكي الى مطالبة غير مألوفة في تاريخ المؤسّسة العسكرية هي حق الإمرة، كونه الضابط الأقدم رتبة. لم يُصغَ إليه، وحسم الرئيس سليمان فرنجية الجدل باستدعاء العميد المتقاعد إسكندر غانم من الاحتياط كي يعيّنه مجلس الوزراء، اليوم التالي، قائداً للجيش.
بذلك تكون المادة 55 في قانون الدفاع الوحيدة تتحدث عن تأجيل التسريح، من دون أن تتقصد ملء شغور محتمل في أيّ من القيادات العسكرية، ولم يكن للمشترع في القانون ــ كما في الدستور ــ أن يتصوّر شغوراً متعمداً ينشأ عن عجز في التعيين أو الانتخاب. حددت المادة 55 حيثيات تأجيل التسريح بحالات الحرب وإعلان الطوارئ وتكليف الجيش حفظ الأمن، على أنها لم تمنح قائد الجيش اختصاص أن يقترح بنفسه لنفسه تأجيل تسريحه واستمراره في منصبه، كي يُصدر وزير الدفاع بناءً على هذا الاقتراح قرار تأجيل التسريح على نحو ما حصل عام 2013.
كانت المرة الأولى يشهد المرسوم الاشتراعي رقم 102 وتعديلاته مذ وُضع عام 1983 تطبيق المادة 55 على نحو عجيب كهذا: يطلب القائد بنفسه تجميد إحالته على التقاعد والبقاء حيث هو. الثغرة البالغة الإساءة إلى صورة قائد الجيش وهيبته المعنوية.