حصيلة جلسة مجلس الوزراء الخميس (2 نيسان) ليس سحب بند التعيينات المالية فحسب، بل أبقت القديم على قدمه الذي لا يخرج بدوره عن القاعدة التي أُعدت للتعيينات الجديدة، وهي المحاصصة. مع أن رئيس الحكومة حسان دياب رفض هذه الوجبة، إلا أنه لم يفلت من كماشة هدّدت حكومته بالسقوط. هي الكماشة نفسها التي ستضعه في كل مرة يفكر في تعيينات مماثلة، أن يأخذ في الحسبان ليس حلفاءه المفترضين في قوى 8 آذار فقط، بل أيضاً خصومه الذين هم خارجها. سيتأكد كذلك بمرور الوقت أن كماشة المحاصصة، من هؤلاء جميعاً في الموالاة والمعارضة، أكثر صلابة من حكومته.
انطوى ما حدث في مجلس الوزراء على بضعة معطيات من بينها:
1 – منذ ما قبل انعقاد الجلسة، ليل اليوم السابق، تواصلت الاتصالات بين وجهتَي نظر متعارضتين: إحداهما قالت بفرض التعيينات المالية، والأخرى بالحؤول دونها وإن اقتضى تعطيل نصاب الثلثين لانعقاد الجلسة وتمنّع سبعة وزراء يشكلون الثلث +1 عن الحضور. دلّ التهديد الذي أطلقه النائب السابق سليمان فرنجية، قبل الوصول إلى موعد الجلسة بمقاطعتها، على إصرار على عدم إمرار تعيينات لا تكتفي بتعزيز حصة تيار المردة فحسب، بل توجيه رسالة صارمة إلى رئيس الحكومة تنبهه إلى أن ليس في وسعه إدارتها في معزل عن القوى التي أتاحت له تأليفها. موقف مماثل لوّح به رئيس مجلس النواب نبيه برّي قبل أيام بتعليق تمثيله في الحكومة ما لم يُستجب طلبه حل عودة المقيمين اللبنانيين في الخارج.
بذلك بدت الرسالة إلى دياب واضحة تماماً: مصير حكومته في يد رعاتها وصانعيها.
2 – بعض الذين التقوا رئيس الجمهورية ميشال عون بُعيد الجلسة لمسوا اشمئزازه مما حصل. لم يُقدم على أي رد فعل مباشر في الداخل، وفُهِم منه أن ما كان يتوخاه هو حصول تعيينات جديدة في معزل عن الأسماء المطروحة، رغم أن من بينها – للمرة الأولى في تعيينات مالية مهمة وفي هذه المناصب بالذات – مرشحين للتيار الوطني الحر. وجهة نظر الرئيس أن التغيير – وإن شابه بعض الثغر – أفضل مما هو قائم، ويبعث على الاطمئنان على وجود رغبة في إحداث هذا التغيير وفي ملء الكمّ الكبير من الشواغر. بدا تأجيل التعيينات – ربما إلى أمد غير محدد وقد لا يعاد طرحها – ضربة قاسية إلى رئيس التيار الوزير السابق جبران باسيل الذي تمسّك بالحصول على معظم الحصة المسيحية في تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان ومفوض الحكومة لديه ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية. ما حصل أمس فوّت فرصة دخوله على قرار القطاع النقدي.
3 – منذ ما قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء، ثم بعد ارفضاضها، كان لرئيس الحكومة موقف واحد ثابت لا يتزحزح بحسب ما سمع منه متصلون به. تمسك بانعقاد الجلسة، واعتبر ما يتردد عن تغيّب وزيري تيار «المردة» بأنه «خطأ»، لكنه سيمضي في الجلسة ويتجاوز هذه العرقلة، وهو ما فعله. بيد أن الترجيحات التي وصلت إليه، حملته على سحب بند التعيينات. دافع عن وجهة نظره بالقول إنه يرفض هبوط الأسماء المطروحة للتعيين عليه بالمظلة، مصراً على عرض الأسماء المقترحة واحداً واحداً، بعد أن كان طلب من وزير المال غازي وزني في جلسة الأسبوع الفائت وضع لائحة بثلاثة أسماء لكل مرشح مع نبذاتهم.
استخلص دياب عندما تسلّم لائحة أدرج فيها وزني الأسماء – وليست ثلاثة مرشحين لكل منصب بالضرورة – أن الاتفاق مبتوت سلفاً على الأسماء التي ستُعيّن. قال: ثبت لي أن ثمة اسماً واحداً مبتوتاً متفقاً عليه سلفاً في كل من هذه المناصب، ووراء كل اسم واحد مرجعية تريده وحده ما يُبقينا في دائرة المحاصصة. مع أن اللائحة تضمنت بضعة أسماء، إلا أن مفتاح التعيين قضى بأن يكون الاسم الأول هو الذي يعيّن، في حين أن الأسماء الأخرى لا تعدو كونها للتعمية ليس إلا. مع هذا الإخفاق الذي رافق انعقاد جلسة الخميس، لا يزال دياب مصراً على تسلم لوائح بثلاثة مرشحين فعليين جديين وغير وهميين لكل منصب بغية الحؤول دون المحاصصة، ويكون القرار إذّاك لمجلس الوزراء.
4 – لا ريب في أن التناغم بين بيانَي كتلة المستقبل (27 آذار) والرؤساء السابقين للحكومة (30 آذار) – ومعهم هذه المرة الرئيس سعد الحريري – أفضى إلى ما توخياه، وهو منع إبعاد نائب الحاكم الثالث محمد بعاصيري من جهة، وعرقلة حصول باسيل على الحصة المسيحية الكبرى من جهة أخرى. إلا أن حملتيهما طاولتا رئيس الحكومة بالذات للحؤول دون دخوله شريكاً في التعيينات الجديدة وتصفية تركة الحريري.
ليس خافياً أن الرؤساء السابقين للحكومة الذين يتصرفون على أنهم مؤتمنون على الشارع السنّي، باتوا اليوم رأس حربة في مواجهة دياب، في حين كانوا شكلوا دعامة رئيسية للحريري إبان وجوده على رأس حكومتي 2016 و2019. إبان هاتين الحكومتين، راحوا يدينون الافتئات على الصلاحيات الدستورية لرئيس مجلس الوزراء دونما توجيه سهامهم إلى الحريري على أنه يتخلى عن جزء منها ثمن التسوية المبرمة حينذاك مع رئيس الجمهورية. في الاشتباك الحالي مع دياب يخوضون مقاربة مختلفة، مرتبطة بالشخص بالذات أكثر منه المنصب أو الصلاحيات.
5 – كشف ما حدث في مجلس الوزراء العورة التي تستّرت عليها حكومة التنكوقراط، بالإيحاء بأنها قادرة على الاستقلال في قراراتها. في الجلسة الأخيرة تبيّن أن صفة التكنوقراط ليست سوى قشرة حكومة، يديرها في الواقع الأفرقاء الذين صنعوها. اشتباك هؤلاء خارج مجلس الوزراء انتقل إلى الداخل، وأظهر مقدرة هؤلاء العرّابين على أنهم هم الذين يقررون ما يقتضي أن تتخذه الحكومة من قرارات أو يفجرونها. ما حصل الخميس أن دياب تفادى انفجارها عندما سحب سلفاً بند التعيينات، عارفاً تماماً بأن فرنجية ليس وحده في المعركة التي كان يخوضها ضد باسيل علناً، وضد رئيس الجمهورية ضمناً، ويستفيد منها بالضرورة المنخرطون في هذه المواجهة من وراء فرنجية. ثمة مستفيدون آخرون من عرقلة التعيينات، غير معنيين بالحكومة ومن خارجها، عوّلوا على الواسطة لإحراز المكسب التأجيل: الحريري ضد إبعاد بعاصيري عن نيابة الحاكمية، والنائب السابق وليد جنبلاط الذي كاد أن يفقد نائب الحاكم الدرزي بعدما أُعطي المنصب إلى ندّه النائب طلال ارسلان.