IMLebanon

تأجيل الانتخابات.. أهون الشرّيْن

في كانون الثاني من العام 2005 تمّ الإعلان رسمياً عن استحالة اعتماد النظام النسبي في الانتخابات لضيق الوقت، يومها كان نظام الوصاية السوري يبذل أقصى جهوده لإسقاط الرئيس رفيق الحريري في الانتخابات، وكان الضغط على أشدّه لفرض قانون انتخابي يعتمد القضاء، مع إصرار ممثّله الرئيس المُمدّد له آنذاك إميل لحود على «اعتماد القضاء دائرة انتخابية وفق التقسيم الذي كان معتمداً في انتخابات العام 1972، لأن أي تقسيم أكبر من القضاء أو أصغر منه ستكون له ارتدادات سلبية على لبنان وسوريا في آن»، وأفضت كلّ الحسابات الانتخابيّة وقتها إلى زلزال 14 شباط، وعلى اللبنانيّين ألّا ينسوْا هذه الحقيقة وسط معْمَعة مطالبة «الثنائي الشيعي» اليوم بتطبيق النسبيّة الكاملة «مع ضيق الوقت» كما في العام 2005!

يشبه ما يشهده لبنان «الانتخابي» هذه الأيّام قول المتنبّي: «إِذا اِعتادَ الفَتى خَوضَ المَنايا/ فَأَهوَنُ ما يَمُرُّ بِهِ الوُحولُ»، لن يسمح حزب الله بإجراء انتخابات نيابيّة إلا في حال أفضت إلى نتيجة واحدة وضع يده «دستوريّاً» على لبنان بأكمله، وتوصّل إلى مجلس نيابيّ يتيح له تغيير وتبديل وجه لبنان كما تقتضي أجندته، عندها حتى وجود الرئيس نبيه بري على رأس الرئاسة الثانية لن يعود مهمّاً، وقد تؤول هذه الرئاسة إلى أحد نوّاب حزب الله، وبالطبع هذا السعي باتجاه النسبيّة سببه مخاوف حزب الله الحقيقيّة والكبيرة من نهاية الدور الإيراني في سوريا، فبعد أربعة عقود على إنشاء إيران لذراعها العسكري في الشرق الأوسط، يجد حزب الله وجوده على عتبة فشل كلّ الأهداف التي تمّ تأسيسه من أجلها وأهمها إقامة «الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان»، ويتيقّن الحزب يوميّاً أنّه لن يستطيع الإستمرار بفرض نفسه على لبنان ومصيره وشعبه إلا بفرض النسبيّة الكاملة قانوناً تضعه تحت قبّة البرلمان ليسيطر سيطرة تامّة على الرئاستيْن الأولى والثانية، ليس عن طريق التعطيل بل عن طريق المعارضة بل يريد ضمان هذيْن الموقعين ليوقّعا على كلّ ما يريد نقضه في الكيان والدولة اللبنانيّة!

هنا ينبغي التذكير أنّ المرات التي أعيد فيها إستعمال احد القوانين الانتخابيّة  قليلة جداً باستثناء قانون الستين وقد اعتمد هذا القانون في أربع دورات متتالية آخرها كان في العام 1972، مع انتخاب مجلس النواب الثالث عشر فطال عمره من 3 أيار 1972 (أوّل تمديد عام 1975) حتى أيار 1991، وانتخب ثلاثة رؤساء للجمهوريّة الياس سركيس في 8 أيّار 1976، بشير الجميّل في 23 آب 1982، أمين الجميّل في 21 أيلول 1982، وفاوض وتوصّل وأقرّ وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطّائف) التي أنهت الحرب الأهليّة في 30 أيلول 1989 وأقرّه في 22 تشرين الأول 1989.

ثمّة قاعدة فقهية تُعرف بـ»الأشدّ يزال بالأخفّ»، ويقال أيضاً «أهون الشَّريْن» ومن ذلك أن لا يكون هناك ضرر قد وقع ولكن اضطر الإنسان إلى شيء ما ولا يستطيع تحقيقه إلا بارتكاب ضررين أحدهما أعظم من الثاني فإن عليه أن يرتكب أخفهما ضرراً، وأحسن من تكلم عن ذلك الإمام عز الدين بن عبد السلام في كتابه «قواعد الأحكام في مصالح الأنام»، وأهون الشرّيْن في موضوع التوصّل إلى قانون إنتخابي هو تأجيل الانتخابات، فلا تقوم القيامة بالحديث عن التمديد أو إجراء الانتخابات بقانون الستين، الذي فرض على اللبنانيّين بقوّة السلاح وغزوة 7 أيّار، وإذا به اليوم يصبح «شيطان» ديموقراطية الانتخابات النيابيّة!

«تأجيل الانتخابات» هو الأفضل في مرحلة مفصليّة لمصير المنطقة ومحور الشرّ ومصير بشّار الأسد وحزب الله، بعد انتخابات عام 2009 تمّ الاتفاق على وضع قانون إنتخابيّ عصريّ ينقل لبنان إلى مرحلة أمثل في السياسة، تمّ إضاعة ثمانية أعوام حتى اليوم، وفي «التكّة الأخيرة» ـ وهي عادة لبنانيّة ـ لا نظنّ أنّ أحداً سـ»يرضخ» لترّهات النائب محمّد رعد»التهديديّة»، فمصير المنطقة بكاملها آيلٌ إلى التغيير برغم أنف إيران وحزبها، وحالها كمطلع القصيدة المنفرجة لابن النَّحوي «اشتدي أزمَةُ تَنفَرِجي/ قَد آذَنَ لَيلُكِ بِالبَلَجِ».