IMLebanon

تأجيل الانتخابات ينسف المساعدات

 

سواء صحّت التكهنات والتسريبات عن أنّ تأجيل الانتخابات النيابية أو عدم إجرائها من أجل التسبّب بالفراغ في البرلمان وفق بعض السيناريوات التي يجرى الحديث عنها تمهيداً للتسبب بالفوضى، أم لم تصحّ، فإن التفكير بعدم إجرائها لن يكون توقيتاً جيداً أو مناسباً للطبقة الحاكمة والفرقاء الذين سيتسبّبون بالفوضى السياسية والدستورية التي ستنجم عن تطيير الانتخابات.

 

ففي الوقت الذي يتطلّع لبنان إلى مساعدة المجتمع الدولي ويطلبها من أجل الخروج من أزمته الاقتصادية والمالية والمعيشية الحادة وغير المسبوقة في تاريخه، وبينما تلحّ الدول كافة وتصرّ على أن تجرى في موعدها القانوني، وعلى أن تكون نزيهة وشفافة، فإن هذين الإلحاح والإصرار ينطلقان من حرص هذه الدول على ألّا يخطر في بال أي من الفرقاء اللبنانيين التفكير بخيار الحؤول دون إتمامها. المرجح أن تفقد الدول المانحة الرغبة في المساعدة على إنقاذ الاقتصاد إذا جرى نسف الانتخابات النيابية والتمديد للبرلمان.

 

ويبدو أن التركيز من قبل الدول الفاعلة منذ أشهر على أهمية إجراء هذه الانتخابات يستبق تلك السيناريوات التي تؤدي إلى الفراغ والتي يجرى الحديث عنها في بعض الصالونات السياسية. هذا فضلاً عن أن المجتمع الدولي ينظر إلى البلد انطلاقاً من مراقبته للتطورات المتلاحقة التي شهدها. فالعواصم المعنية تعتبر أن ما شهده لبنان في الساحات منذ 17 تشرين الأول حتى يومنا يتطلب إفساح المجال أمام اللبنانيين لأن يعبّروا عنه في صناديق الاقتراع لأنهم يتطلّعون إلى تغيير ما. وصناديق الاقتراع هي الاختبار الأمثل له في بلد اعتاد أن يمارس قدراً من الديموقراطية في بناء مؤسساته الدستورية، حسب هذه العواصم، التي تنظر إلى البلد على أن تاريخه السياسي يقوم على تقاليد الاحتكام لأصوات مواطنيه مهما قيل في أوضاعه السياسية.

 

واحد من أسباب ردّ الفعل السلبي من قبل المجتمع الدولي حيال احتمال تطيير الانتخابات النيابية المقبلة وما يحكى عن وصول الأزمة إلى درجة الفراغ في المؤسسة التشريعية ثم في رئاسة الجمهورية، وفق السيناريوات المتداولة، هو أن الدول المعنية، ولا سيما المانحة منها، تسعى منذ مدة إلى إزالة حجة عدم قدرة الدولة اللبنانية على تحمل مصاريف إجراء الانتخابات اللوجستية والإدارية والأمنية لضمان تمكين المؤسسات الرسمية من أن تجريها في أفضل حال. فالاتحاد الأوروبي وفّر مبلغاً محترماً من المال لدعم مصاريف الآلية الانتخابية، والولايات المتحدة الأميركية منحت مليوني دولار لتغطية مصاريف تقنية ولوجستية، فيما تسعى الأمم المتحدة المتنبهة لأهمية تأمين الدعم إلى الاحتياط لهذا الأمر منذ ما يقارب السنتين.

 

ويبدو أن الدول المانحة تعتقد أن على الحكومة اللبنانية أن تؤمّن قيمة الرواتب وبدل الأتعاب للموظفين الرسميين الذي سيشرفون على عمليات الاقتراع. وهذه الدول متشددة في هذا الرأي لأن على الدولة اللبنانية أن تثبت جديتها والتزامها في شأن الاستحقاق، على رغم أن بعض الدول الأخرى يميل إلى إزالة أي نوع من الذرائع من يد من يمكن أن يستخدم قصور الدولة المالي سبباً لعدم إجراء الانتخابات وتأخيرها، سواء كانت في 27 آذار أو في شهر أيار. فالسجال حول تقديمه أو تأخيره ربما يكون حجة من أجل التأجيل بعد خلق أزمة سياسية في شأن التاريخ. وفي كل الأحوال تخضع عملية تمويل إجراء الانتخابات لمراجعة مستمرة حيث تتولى الأمم المتحدة التنسيق بين الدولة اللبنانية وبين الدول المانحة، فيما يخشى بعض المسؤولين من أن تعاني قوى الأمن الداخلي، التي يفترض أن يتواجد عناصرها في آلاف أقلام الاقتراع المنتشرة على الأراضي اللبنانية، من نقص في العديد ومن تأمين مصاريف انتقال العسكريين وإقامتهم لمدة يومين في المناطق التي سيرسلون إليها قبل يوم من تاريخ الاقتراع.

 

والأوساط الديبلوماسية التي تراقب عملية التحضير للانتخابات ومراحلها القانونية والإدارية واللوجستية تصف نظرية المؤامرة، التي تتحدث عن أن الدول المصرة على الوفاء بالاستحقاق الانتخابي تسعى إلى إنجاح مرشحين معارضين للقوى السياسية الحالية ولـ”حزب الله” كما يقول قادته، بأنها أقرب إلى الخيال والتبريرات التي لا تستند إلى قرائن واقعية. فلا ناقة ولا جمل للدول المانحة بتفضيل هذا أو ذاك من المرشحين، لأن الأمر يتعلق بصندوقة الاقتراع التي وحدها ستحسم من يختاره الناس وفقاً لتطلعات المقترعين وليس وفقاً لموقف الدول، التي لا قدرة لديها على التأثير في المقترعين.