قرأ كثيرون في تعليق الرئيس سعد الحريري مشاركته وتيار «المستقبل» في العمل السياسي وعدم خوض الانتخابات النيابية ترشيحاً واقتراعاً، انّه يعكس ثلاثة احتمالات: الأول، تأجيل الانتخابات النيابية، وتمديد ولاية المجلس النيابي الحالي. والثاني، وجود رغبة داخلية وخارجية بفرض تغيير في الطبقة السياسية اللبنانية، تحت عنوان انّها تتحمّل مسؤولية انهيار لبنان على كل المستويات. والثالث، انّ لبنان موضوع خارج الاهتمامات العربية والدولية، وذاهب الى مزيد من الانهيارات التي ستوصله الى مرتبة الدولة الفاشلة…
بإعلان الحريري انّه وتيار «المستقبل» علّقا مشاركتهما في العمل السياسي، يدخل لبنان على أبواب الانتخابات النيابية المقرّرة في ايار المقبل، مرحلة جديدة تختلط فيها الاوراق والحسابات على كل المستويات، سواء لدى كل الأفرقاء السياسيين والشرائح الشعبية بمختلف انتماءاتها وتلاوينها، او على مستوى الدول والجهات المهتمة او المتدخّلة في الشأن اللبناني.
الأسباب التي دفعت الحريري الى مثل هذا القرار كثيرة ومتعددة بأبعادها الداخلية والخارجية، ولا يمكن الأخذ بسبب واحد منها باعتباره الوحيد الذي أملى هذا القرار الحريري، وإنما يمكن القول انّ كل هذه الأسباب مجتمعة دفعته اليه، تبدأ من الوضع الشخصي الى العام، لتصل الى ما يمكن ان ينطوي القرار من احتمال ان يكون لبنان والمنطقة مقبلين على تطورات كبيرة وخطيرة، جعلت صاحبه يقتنع بأنّ خروجه من الحياة السياسية في هذه المرحلة قد يكون الخيار الأسلم بالنسبة اليه شخصياً وكفريق سياسي، لحفظ الوجود في الواقع الجديد الذي سينشأ في المرحلة المقبلة محلياً واقليمياً ودولياً.
بعض المتابعين أوجزوا الأسباب التي دفعت الحريري الى هذا الموقف بالآتي:
– اولاً: شعورالحريري انّ تطبيع علاقته مع المملكة العربية السعودية ما زال أفقه مقفلاً، وانّ حصوله مرهون بعامل الوقت، وتالياً فإنّ الوقت الآن الذي تتعدّد فيه اهتمامات المملكة، لا يتيح حصول مثل هذا التطبيع الذي إذا حصل قسيكون ايذاناً بعودة الاهتمام السعودي خصوصاً والخليجي عموماً بالوضع اللبناني. علماً انّ كثيرين ممن قرأوا الشروط العربية والدولية التي حملها وزير الخارجية الكويتية الشيخ ناصر الصباح الى لبنان، تحت عنوان مقترحات لإعادة بناء الثقة بين لبنان ودول الخليج، من الصعب تنفيذها بكل بنودها، ولا سيما منها البنود المتصلة بنحو او بآخر بمصير بعض الأزمات الاقليمية.
– ثانياً: شعور الحريري انّ خوضه وتياره الانتخابات النيابية المقبلة قد لا يمكّنه من الفوز بما يطمح اليه من عدد وازن من المقاعد النيابية، يكون له تأثيره في العملية السياسية الداخلية، وبالتالي من الافضل عدم المشاركة في هذه الانتخابات والانصراف الى ترتيب البيت الداخلي «المستقبلي» وتوسيع قاعدة الاستقطاب الشعبي والسياسي اكثر فأكثر استعداداً للمرحلة المقبلة.
ـ ثالثاً، ربما توافرت لدى الحريري معلومات ومعطيات تدل الى أنّ لبنان والمنطقة مقبلان على مجموعة من الزلازل السياسية وربما العسكرية الكبرى، وبالتالي من الأفضل البقاء خارج الحلبة السياسية والجلوس في مقاعد الانتظار لما سيرسو عليه المستقبل اللبناني والاقليمي. وربما لمس الحريري انّ الانتخابات المقبلة، وفي ظل الواقع الاقليمي المأزوم، وفي ضوء الانهيار الذي تعيشه البلاد، لن تتيح له حرية إقامة تحالفات، ولو انتخابية، مع بعض الأفرقاء اللبنانيين ضمن الصف الواحد وخارجه، ما يعني انّ ايام «التحالف الرباعي» الذي حصل في مراحل انتخابية عدة سابقة، ليس بالأمر المتاح، خصوصاً في الانتخابات المقبلة، التي تدلّ كل المؤشرات الى انّ أم المعارك فيها ستكون على الساحتين السنّية والمسيحية.
لكن اياً كانت مؤديات قرار الحريري وتفاعلاته او مضاعفاته الداخلية والخارجية، فإنّ علامات استفهام كثيرة بدأت ترتسم حول مصير الاستحقاق النيابي. فالبعض يقول انّ هذا القرار الحريري قد يكون بمثابة كرة ثلج ستكبر شيئاً فشيئاً، ويمكن ان تؤدي الى واقع يدفع المعنيين الى تأجيل هذه الانتخابات بذريعة ميثاقية. ويقول هذا البعض، انّ خروج الحريري من الاستحقاق النيابي مشفوعاً بخروج الرئيس تمام سلام ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي لن يترشح للانتخابات هو ووزراء حكومته لضمان الحياد في العملية الانتخابية، فضلاً عن عدم ترشح الرئيس فؤاد السنيورة، قد يدفع المعنيين بالاستحقاق النيابي الى اعتبار انّ المكون السنّي الميثاقي غير متوافر فيه، وبالتالي لا ينبغي إجراء الانتخابات ما لم تُزل هذه «العقدة الميثاقية».
اكثر من ذلك، فإنّ غالبية القوى السياسية تصدح ألسنتها هذه الايام في مدح الانتخابات، فيما ايديها تمعن في نحرها، بمعنى انّ هذه القوى التي تشكّل في غالبيتها الطبقة السياسية المشكو منها، والتي يطالب كثيرون بخروجها من السلطة وإجراء انتخابات تنتج سلطة جديدة، لا ترى ضمنياً مصلحة لها في خوض انتخابات لن يكون في مقدورها الفوز بأكثرية نيابية او بأعداد وازنة من المقاعد النيابية، تضمن لها حضوراً ملحوظاً في الحياة السياسية المستقبلية. فجميع هذه القوى ووفق «بوانتاجات» تجريها حول النتائج المحتملة للانتخابات تخرج بانطباعات غير مريحة، لا بل انّ هذه «البوانتاجات» لا تشير الى انّ اي فريق سيتمكن من الفوز بأكثرية نيابية رغم الاقتناع في ضوء التجربة، انّ الأكثريات النيابية التي تشكّلت منذ انتخابات 2005 وحتى انتخابات 2018 لم تحكم لا يوم كانت في يد فريق 14 آذار، ولا في هذه الايام حيث هي في يد فريق 8 آذار وحلفائه.
لذلك يقول المتابعون، انّ خروج الحريري وتياره من الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً لن يمكن أحد من ملء هذا الفراغ «المستقبلي»، إذا جاز التعبير في كل الدوائر. بل قد يؤدي هذا الخروج الى خسارة قوى مقاعد نيابية كانت حصلت عليها بالتحالف مع»المستقبل» في الانتخابات السابقة، مع العلم انّ تراجع التمثيل الشعبي لبعض القوى السياسية لن يكون لمصلحة قوى منافسة لها، خصوصاً في الساحتين السنّية والمسيحية.
ولذلك، يقول المتابعون ايّاهم انّ احتمال تأجيل الانتخابات والذهاب الى تمديد ولاية المجلس النيابي لسنة او سنتين على الأكثر، بات خياراً متوقعاً يعمل فريق من القوى السياسية (في 8 و14 آذار) على توليد الظروف التي تفرض اعتماده. لكن السؤال الذي يطرحه كثيرون هو، هل انّ الواقع الذي آلت اليه البلاد من تدهور وفقر وجوع يسمح بتمديد سيكون بمثابة تمديد للانهيار؟ وهل المجتمع الدولي، الذي يحاضر يومياً بوجوب إجراء الانتخابات كمحطة تغييرية نحو الافضل للبنان، سيسمح بحصول مثل هذا التمديد، أم انّه سيدير الظهر ويؤثر الاهتمام بالقضايا الاقليمية والدولية، من الملف النووي الايراني الى حرب اليمن الى العراق وسوريا وليبيا وغيرها، وترك لبنان على لائحة انتظار التطورات المنتظرة في القابل من الايام والاسابيع الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية، والتي ستؤشر الى ما سيكون عليه مصير هذه الانتخابات وبالتالي مصير لبنان والمنطقة؟