IMLebanon

تأجيل الانتخابات خيار وارد لتدارك تبعات نتائجها غير المتوازنة

 

يبدو أن الاستحقاق الانتخابي وما سيخلصُ إليه من  نتائج لن تكون مُريحَةً لا على السَّاحَةِ المحليَّة ولا لمُعظمِ الدُّول الغربيَّة والعَربيَّة المُهتمَّةِ بالشأن اللبناني، ولن تكون كذلك «أي مريحة» حتى للفريق الفائزِ ومن يدورُ في فلكِه، لأنها ستدفعُ بمزيدٍ من الضُّغوطاتِ والتَّضييق عليه.

 

يروِّجُ بعضُ السِّياسيين والمُحلِّلين من الدائرين في فلك محور المُمانعَةِ بأن التكتُّل الثلاثي (حزب- حركة امل -تيار وطني حر)  وباقي الجهاتِ المحسوبة عليهم ان فريقهم سيفوز بـ ٦٧ مَقعدا من المقاعِدِ النِّيابيَّة على الأقل.

 

ويسوقون أيضا لمقولة توحي بأن باقي المُكونات (غير الممانعة) لن يكون بمَقدورِها المواجَهَةَ أو الاعتراضِ على الخَياراتِ التي يتبناها مُستقبلا الفائزون في الانتِخابات، واولهُم القُوَّاتُ اللبنانيَّةُ ورئيسُ الحزبِ التَّقدمي الاشتراكي الذي سيجدُ نفسهُ مُضطرا للمُسايرَةِ والسَّير مع رَكبِ المُنتَصرين، وإن كان سيحتَفِظُ لنفسِهِ بهامِشٍ ضيِّقٍ من التَّمايز ولو ظاهِريَّا لخصوصيَّة علاقاتِهِ العَربيَّةِ والدَّوليَّة، ولن يكون مُحبِّذا او مُجارِيا القوات اللبنانية بخياراتها، رغمَ تحالفهِ مَعها انتِخابيَّا في الشُّوفِ وعاليه.

 

ويضيفون من يفوز بما يتبقى من المقاعدِ بمن فيهم الجَماعة الاسلاميَّةِ والأحباش والمستقلون والثوار …الخ من القوى السياسيَّة، لن يكونوا مؤثِّرين فعليَّا في الخياراتِ الأساسِيَّةِ ولن يكن بمقدورهم التصدي لمُحورِ المُمانعةِ هذا إن شاؤوا، فكيف الحال إن نجحوا في ترويضهم او تدجينِهم.

 

التحليل منطقي وأضحى واقعيا بتحضير قوى المُمانعةِ للاستحقاقِ الانتخابي، وغفلةِ باقي المُكونات الوطنيةِ باستثناءِ القوات. ولكن مخاطر هذا السيناريو على لبنان كارثيَّة.

 

دعونا ننطلقُ إذن من التَّسليمِ بالفرضِيَّةِ مسلِّمين بأن فريق الثامن من آذار ستكون له الغلبةُ في الانتِخاباتِ النيابيَّةِ، هذا يعني في المقلب الآخر ان القوات اللبنانيَّةِ لن ترضخ وستحملُ رايةِ المواجَهة. لأن موقفِ كل منهما، اي القوات وقوى الممانعة والحزب في صدارتها، معروفٌ تجاه بعضِهما البعص.

 

يبقى التساؤل حول موقفِ الفائزين من قوى الثَّورةِ والمُستقلين الرَّافِضينَ ايضا لخياراتِ حزبِ الله كما لأداءِ مُختلفِ القوى التي شاركَت في إدارةِ شؤون الدَّولةِ خلال العُقود الثلاثة الماضيَة، ولكل الذين اوصلوا البلد إلى حالةِ  إفلاس سياسي واقتصادي ومالي واجتماعي …الخ، بحكم تمثيلهم لخياراتِ الثورة الشعبيَّة سيكونون أمام تحدٍّ كبير يتمثَّلُ في تصدِّيهِم للمَنظومَةِ الحاكِمَة، والتي إن تعارضت في خياراتِها السياسيَّةُ في بعض الأحيان في ما بينها، فهي حَريصةُ على التكاتُفِ لحمايةِ أتباعِها من المُساءلةِ والمُلاحَقة.

 

السؤال المفصلي بالنسبة لغير الممانعين هو: هل ستنجحُ قوى الثورة في تحقيقِ ذاتِها وإيصالِ من يمثِّلُها إلى الندوةِ البرلمانيَّةِ للتعبيرِ عن خياراتها ومواقِفها  على الساحةِ السِّياسيَّة؟

 

إن الوضع الراهن يوجِبُ على الثوَّار التنبه لخطورة نجاحِ قوى الثامنِ من آذار  في  حُصولهم على أغلبيَّة «ولو غير موصوفة» في المجلس النيابي لكون ذلك سيثير شَهيَّة كلٍّ من إيران والنِّظامِ السُّوري كلٌّ من وُجهَةِ نظرِهِ سيرى في هذا الأمرِ فرصَةً لا تُعوَّضُ للإمساكِ أكثر بالورقةِ اللبنانيَّة.

 

إيران من جِهتِها ستدفَعُ بحزبِ الله إلى إحكامِ سَيطرتِهِ على السُّلطةِ سِياسِيَّا بعد أن أحكمَ قبضتَهً على أرض الواقع،  وسيُستغلُّ الشُّعورُ بفائض القوةِ لديه والتلميحِ به بين فينةٍ وأخرى «إكراه مَعنوي» لإحكامِ قبضتِهِ على السُّلطةِ في لبنان.

 

النظام السوري بدوره سَيرى في هذا المُستجدِّ بالنِّسبةِ له بوابةَ فرَجِ تُعيدُه إلى السَّاحةِ اللبنانيِّةِ سياسيَّا بعد انكفائه عن لبنان قَسراً، هذا بالإضافةِ لإمساكِه بورقةِ النازحين التي بإمكانه استغلالها في أي وقت لإرباكِ الساحةِ اللبنانيَّة.

 

تلك الفرضيَّةُ التي أشرنا إليها تدعونا للتساؤل عن الكيفية التي ستعتمدها القِوى الثوريَّة والتَّغييريَّةِ، خلال مقاربتها للانتِخاباتِ والتَّحدياتِ المُستقبليَّة في معرضِ مًجابهةِ قوى السلطة كاملة.

 

للأسف إن ما نشهدُهُ اليومَ من حالةِ تشرذمِ في قوى الثَّورةِ لا يبشِّرُ بالخيرِ ولا يوحي بوجودِ الكثير من الاملِ الذي يُعوَّلُُ عليه في ظل الانقساماتِ، ولغياب الرؤية الموحَّدةِ، نتيجة جُموحِ الشَّهوةِ للترشُّحِ لدى المنخرطين بالثورة والمتلطين خلفها، كما  لعدم اعتماد مَعاييرَ واضِحةٍ في اختيارِ مُرشحيها، وارى في ذلك مقتلا لتطلعاتِ  الثوار ولعامة الناس، كون هذا الاداء غير المنسَّق يفوت فرصِ فوز مناهضي الممانعة في الانتخابات، ويسهل الفوز لقوى السلطة.

 

هل هذه النتائج غير المفاجئة التي ستخرجُ بها الانتخاباتُ في ظل المعطياتِ الراهنة ستكون مرضيةً للغربِ وفي طليعتِهِم الولاياتُ المتحدة الأميركيَّة التي حملت لواء المطالبَةِ بإجرائها في موعدها؟ بالطَّبعِ لا، وأعتقد ان تلك القوى أضحت على علم  بالتَّقديراتِ الاوليَّةِ للنتائج في ظلِّ قانون مسخٍ حاكته السُّلطة على قياسها، ولطالما ناديت شخصيا بوجوب الضغط على مجلسِ النواب لدفعه إلى تعديله، ولكن لم ألقَ آذاناً صاغيَة.

 

ربما قد فات الأوان لتدارك المحظور، بعد ان اقترب موعد الاستحقاق الانتخابي، والذي أضحى شبه مسلَّمٍ به، لا لتحديده فقط بل لتقديمِ دولةِ الرئيسِ نبيه بري طلب ترشُّحه، لاعتقادي أنه ما كان ليقدم على ذلك لو لم يكن مُتيقنا من إجراء الانتخاباتِ في موعدها كما لتيقنه من ان فوزه برئاسة المجلسِ القادم مَحسومٌ أيضا، وربما أيضا لإصرار الممانعين على إجراء الانتخابات بعد أن اعدوا العدة واستعدوا وأصبحوا جاهزين لها، لاستثمارها في إسباغ المشروعية على إحكام قبضتهم على السلطة، ولحشر من سبق وعولوا عليها من دون الاستعداد لها.

 

مما لا شك فيه ان الكل سيكون في مأزق، وهذا يدعونا للتوجُّس مما نحن قادمون عليه، ولن تكون الدول الغربية ولا الخليجيَّةُ راضيةً عن النتائج التي ستسفرُ عنها، ولن يُسمحَ لقِوى المُمانَعةِ باستِغلالها او تحمل تبعاتها.

 

وفي ظل هذا الوضع المأزوم نسأل: هل سيصار إلى التوافق دوليا وإقليميا على تأجيلِ الانتخابات ولو بذريعةٍ تقنيَّة؟ وهل سيرضى الممانعون بهكذا مطلب؟ كل ذلك جائز على ضوء المساومات الكبرى.

 

الرَّدُّ على نتائج الانتخابات  إن حصلت سيكون مُكلفا للفائزين وللبنان كل لبنان، ولن يستطيع الشعب اللبناني تحمل تبعاته، لانه سيتمثل بمزيد من العزل والعُقوبات الاقتصادية والماليَّةِ الثقيلةِ والمُرهِقة، وربما يضافُ إليها ضرباتٌ عسكريةٌ نوعيَّةٌ في سوريا تستهدفُ خُطوطَ الدَّعم ولحين جلاء ما ستؤولُ إليه الأوضاعُ الدوليَّةُ والإقليميَّةُ على ضوءِ مًفاوضاتِ فيينا والحربِ في أوكرانيا.

 

ما نستقرئه من تحليل الوضعين الخارجي (دولي اقليمي) والداخلي يوحي بأن لبنان مقبلٌ على كارثة سياسيَّة واقتصاديَّة وماليَّة ومعيشيَّة سيدفعُ الشعبُ اللبناني ثمنها غاليا، وستنتهي بانفجارٍ شعبيٍّ عارم.

 

ويضاف الى ما تقدم ان لبنان سيكون امام استحقاقٍ مفصلي لا يقل أهمية عن الانتخابات النيابية عنيت بذلك انتخاب رئيس للجمهورية، وسيكون محل أخذ ورد، وبالتالي سيقاد البلد إلى تعطيل ٍدستوري غير محمود سبق وذقنا مرارته. وليس أمر منه سوى انتخابُ رئيس جمهوريَّة محسوب على فريق معين، فتمدد أزماتُ لبنان إلى أن ينتهي به الأمر في اتون حرب أهلية او مفككا.

 

إن طرح هذا السيناريو لا يعني ان تتراخى قوى الثورة في تحضيراتها، بل عليها استكمال استعداداتها وحزم أمرها، والبقاء على جهوزية كاملة، وقبل كل ذلك توحيد صفوفها ولوائحها الانتخابية تحت برنامج انتخابي موحد ومتكامل.

 

أقول قولي هذا داعيا للتعقل والاحتكامِ إلى التحلي بالحد الأدنى من الحس الوطني منادياً بانتخاب رئيس للجمهورية على قياس الوطن لا طائفة أو مذهب أو منطقة أو فريق سياسي، لأن الرئيس حكما نزيها محايدا لمختلفِ المُكونات ومُنحاز فقط  للوطن.

 

عميد متقاعد

 

* المرشح عن المقعد السني في دائرة جبل لبنان الرابعة «الشوف وعاليه».