IMLebanon

هاجس تأجيل الانتخابات: عود على بدء

 

 

بعد ركود لأيام، عاد موضوع تأجيل الانتخابات الى التداول مجدداً. ليس كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وحده ما أعاد تظهير هذه المخاوف. إذ يندر أن يخلو لقاء سياسي أو انتخابي من تناول الأمر، ويكاد الحديث عن إرجاء الانتخابات يساوي الحديث عن الاستعداد لها.

 

في الأيام التي رافقت تشكيل اللوائح وتسجيلها، نشطت الحملات الانتخابية بشكل كثيف، وبدا أن الجميع انضوى في المعركة، وأقفل الكلام عن إلغاء الانتخابات الذي رافق إعادة البحث بقانون الانتخاب والطعن فيه وانكفاء الرئيس سعد الحريري واحتمالات المقاطعة السنّية.

وفي الأيام الأخيرة، صارت كل إشارة تعدّ تأكيداً للموعد الدستوري، من ذلك زيارة البابا فرنسيس التي عُدّت بمثابة ورقة ضغط لإجراء الانتخابات في موعدها، إلى عودة الدبلوماسية الخليجية ونشاط المراقبين الأوروبيين لمراقبة الانتخابات. لكن، سرعان ما عاد الكلام حول المخاوف من التأجيل يتكرر في دوائر رسمية وحزبية مختلفة، تارة لأمور تقنية ومنها ما يردّده رئيس الجمهورية ميشال عون حول الميغاسنتر كسبب لعدم الإقبال، وتمويل الانتخابات، وتارة أخرى لأسباب لوجستية ومشاكل السفارات والقنصليات والعوائق التقنية الكهربائية وإضراب القطاع العام، ما يوحي بأن ثمة أسباباً واقعية تعترض إجراءها.

 

لكن إرجاء الانتخابات، فعلياً، يحتاج الى أكثر من مجرد أمور لوجستية لعرقلتها، مهما بلغت أهميتها، بعدما استنفد الجميع الأسباب الموجبة لها، وخصوصاً مع نفاد الوقت، وانقسام القوى السياسية من المعارضة والموالاة، منذ البداية، حول الملفات التي كان يمكن أن تطيّر الانتخابات كالميغاسنتر واقتراع المغتربين. فالإرجاء يحتاج الى قرار أوّلاً، كما جرى سابقاً، قبل أن يصار الى ترجمته عملياً في مجلس النواب. وإذا لم تسنح الفرصة لتأمين توافق سياسي، كما هي الحال اليوم، فلن يبقى حينها سوى حدث خارج المألوف يحتّم تأجيلها.

أمنيون ومعنيون سياسيون بالانتخابات يقولون ما معناه إن الكل لا يزال يحبّذ إرجاء الانتخابات، ولا أحد يريدها فعلياً، لا من فريق السلطة ولا من فريق المعارضة، وكلاهما يؤيدان ضمناً هذه الخطوة، لكن من دون أن يتحمّلا مسؤوليتها علانية. لذا يرمي كل طرف مسؤولية الإرجاء على الطرف الآخر. بين تحميل التيار الوطني الحر رغبته في تأجيل الاستحقاق لاحتمال خسارته فيها، وخلفه حزب الله، أو اتهام حزب الله السفراء وأفرقاء المعارضة مجتمعين، بالعمل على تفخيخها لتطييرها.

لكن حسب نقاشات أمنية وسياسية، فإن جميع الأطراف يعلمون أنه لم يعد في استطاعة أي طرف خلق أعذار إضافية وحجج للتأجيل، وليس هناك أسباب مقنعة على مستوى محلي وخارجي تجعل الإرجاء يمرّ مرور الكرام. وتقول مصادر مواكبة للتحضير للانتخابات، إن الجميع يخشى من «اليوم التالي» لفعل الإرجاء، أي ردة الفعل المحلية والإقليمية والدولية تجاه هذه الخطوة. ولو كان جميع المعنيين الرسميين والحزبيين يضمنون سهولة هذه الخطوة، والسيناريو المحتمل لما ستحدثه من تطورات لا يمكن التكهن بنتائجها، لأقدموا عليها.

 

هذا يعني أن الانتخابات لن تتعطل إلا بفعل خضة ما. وفي العادة يكون الكلام بوضوح عن عمل أمني هو الغالب كسبب لتطيير استحقاق بهذا الحجم. لكن الأمنيين الذين يؤكدون جهوزية القوى الأمنية لمواكبة الاستحقاق، يحاذرون الإشارة الى أي من التوقعات حيال المخاوف من احتمالات أمنية مقلقة. إذ لا معلومات أمنية في هذا الاتجاه، ولا شيء يوحي حتى الآن بأن ثمة خربطة أمنية قد تحصل. فكل التوترات الأمنية المتوزعة في أكثر من منطقة لا ترتبط بحالة سياسية معينة، بل سببها إما مشكلات اجتماعية أو اقتصادية أو حتى جرمية. ولم يُرصَد ما يدلّ على تحضيرات أو مؤشرات أمنية لإطاحة الاستحقاق. ورغم أن لا أحد من المعنيين يقلّل من شأن تفاقم الأزمة المعيشية بين ارتفاع سعر البنزين وفقدان الخبز وانقطاع الكهرباء، إلا أن هذه الأزمات لا تشكل حتى الساعة تطوراً استثنائياً، يستدل منه على القيام باحتجاجات شعبية واسعة تتطور الى تدهور وحالة أمنية تتسبّب تالياً بتطيير الانتخابات. فالمحتجّون نوعان، الأول منخرط في الانتخابات، ولن يكون له مصلحة في تطييرها، والثاني حزبي تحت ستار معيشي، لن يكون من السهل خروجه بوضوح الى الشارع من دون أن يترافق ذلك مع إشكالات سياسية.

لكن هذا لا يعني أنه إذا أريد للانتخابات أن تتعطل، فلن يترجم ذلك بأمر خارج عن السياق التقليدي المعتاد، الذي سيكون بالنسبة الى الجميع ذريعة تلقائية. حتى إن حدثاً بحجم زيارة البابا لن يعود حينها عائقاً أو سبباً كافياً لتأكيد موعد 15 أيار. لذا تتصرف القوى السياسية والأمنية على قاعدة أن الانتخابات حاصلة، مع إضافة كلمة «ولكن»، وأمامها خريطة الانتخابات والدوائر والتحالفات، مع ترك هامش واسع للمفاجآت.