Site icon IMLebanon

مسلمات حزب الله: التعاون مع الجيش وحسم المعركة في الجرود عبر المؤسسة العسكرية

كثيرون في هذه المرحلة توقفوا عند حديث الامين العام لحزب الله الأخير السيد حسن نصرالله، وتوقفوا أيضًا عند معلومات تسرّبت وترسّبت حول تحذير دولة عربية خليجيّة ويراد منها على غالب الظنّ بعض القوى السياسيّة اللبنانيّة من مغبّة التعرّض لمخيمات النازحين في جرود عرسال أو حسم المعركة فيها.

الفرق بين حديث السيّد وما تم تناقله، أنّ الأوّل زرع الثقة في نفوس الناس وأظهر حرصه على مسيحيي البقاع الشماليّ، لدرجة أن حزب الله نفّذ عملية استهدفت في الجرود مسؤول «داعش»، في ظلّ عدم شفافيّة بعض الفرقاء المسيحيين في استقراء ما حصل في القاع وتفسيره بالإطار السليم والصحيح والاتجاه بصفاء عقل ونيّة نحو حزب أظهر مودوديّة طيبة للمسيحيين إلى قلبه وعقله، في حين أنّ الأمر الثاني أظهر ما تمّ زعمه بأنّ التعرّض لمسألة النازحين ومخيماتهم يعتبر من المحرّمات الخليجيّة والدوليّة وتمسي تلك المخيمات ورقة ضاغطة للابتزاز على مستويين داخليّ وخارجيّ.

ما أشبه اليوم بالأمس، خلال عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجيّة، وفي سنة 1973 أي أثناء الشغب الذي أحدثته المخيمات الفلسطينيّة قام بالرد عليه عن طريق اصدار أمر للعماد إسكندر غانم قائد الجيش آنذاك، أن يقصفهم من الجوّ، وحين فعل ذلك احتج أكابر الطائفة السنيّة في لبنان واعتبروا ذلك اعتداء على الإسلام والمسلمين وطالبوا بإقالة إسكندر غانم، وكان العرب بمعظمهم خلفهم، وكان الاحتجاج طريقاً لانفجار الحرب سنة 1975. وخلال عهد الرئيس شارل حلو أيضاً، كان الرئيس حافظ الأسد وزيراً للدفاع في سوريا، حرص هذا الأخير بضبط المخيمات الفلسطينيّة في دمشق وجعلها في قبضة النظام وتحت السيطرة الأمنيّة السوريّة وظلّت المخيمات تحت السيطرة وضمن الأمن السوريّ خلال حكمه، إلاّ أنّه كان يجيب من يفاتحه بأمر المخيمات في لبنان إياكم والمخيمات الفلسطينيّة في لبنان.

لم يتغيّر شيء بين الأمس واليوم، فقط أضيف مخيّم جديد على المخيمات الفلسطينيّة هو مخيم اللاجئين السوريين. وتحذّر دولة خليجيّة من التعرّض لهم في ظلّ مناخ مشدود إلى استمرار الصراع المذهبيّ، يضاف إليه واقع طائفيّ مستجدّ، مع عدم اعتراف السنيّة السياسيّة بحقوق المسيحيين، واستمرارها في التعدّي على حقوق المسيحيين، ومع انتفاء مبدأ استهلكته السنيّة السياسيّة وهو «لبنان أوّلاً» دغدغةً مزيّفة وفارغة لمشاعر المسيحيين، وقد ثبت بطلانه مع توكؤ تلك السنيّة السياسيّة ومن هم خلفها على ورقة مخيمات اللاجئين السوريين وجعلها عنوانًا من عناوين الصراع الداخليّ من جهة والعربيّ – الإقليميّ من جهة ثانية.

أهميّة حديث السيّد نصرالله، أنّه أكّد البعد الخلاّق في العلاقة مع المسيحيين على مستوى الداخل، وبالطبع لم يتجلّ هذا البعد بسبب ما حدث في القاع، هو أصيل منذ أن تمّ توقيع ورقة التفاهم بينه وبين العماد ميشال عون، ويأبى الرجل تزييف طبيعته في علاقاته مع حلفائه، وقد ظهرت معلومات أشارت إلى مجموعة لقاءات حصلت منها لقاء بينه وبين النائب وليد جنبلاط لتسهيل انتخاب العماد عون لرئاسة الجمهوريّة مقابل إجماع مسيحيّ ورضى تيار المستقبل، فجاءت النتيجة على عكس ما روّجت بعض المصادر بأنّ السيد رفض «طرح جنبلاط بالعودة إلى اتفاق كاد الوصول إليه وهو انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة مقابل تسمية سعد الحريري رئيسًا للحكومة. فالسيّد  نصرالله تحفّظ حتمًا على سعد الحريري رئيسًا للحكومة إذا وصل من دون عون، ولكنّه قابل لوصوله لرئاسة الحكومة فقط مع عون وليس مع سواه. وبحسب المصادر نفسها، حزب الله عامل مسهّل للانتخابات ولكنّه مدرك سلفًا بأن السعوديّة تناور على تسمية العماد ميشال عون، وهي لن تسميه وسعد الحريري حتّى إشعار لن يسميه مع العلم أن مصلحته تقتضي بتسميته.

وفي السياق نفسه أشارت معلومات الى أنّ السيد نصرالله ترك حسم مسألة الرئاسة إلى ما بعد الحسم في سوريا، وعلى الرغم من أن التحليل المنطقيّ من ضمن الواقعيّة السياسيّة رابط بين الاستحقاق الرئاسيّ والصراع في سوريا لاعتبارات عديدة، لكنّ السيد نصرالله لم يسع إلى هذا الربط بالمطلق فهو وقبل الرئيس نبيه بري من أطلق السلّة ودعا إلى لبننة الحلّ في لبنان قبل الوصول إلى الحسم وعدد من الفرقاء صاغرون، هذه مسألة بالغة الدقّة في فلسفة الحزب وأدبياته، يشي بذلك حديثه الكبير، فهو عاكف في المطلق على مجموعة مسلمات محتسبة من ضمن سلّة تغييرات تتمّ على مستوى المنطقة بحراك مستجدّ أهمها:

1- تفعيل عمل الأجهزة العسكريّة والأمنيّة للقضاء على الإرهاب بصورة جذريّة مؤكّدًا حرصه على دعم الجيش اللبنانيّ والسير خلفه وأمامه إذا لزم الأمر. ثلاثيّة الجيش والمقاومة والشعب غير محصورة بمقاومة إسرائيلّ بل بمواجهة القوى التكفيريّة العامدة على غزو المنطقة ومنها لبنان والقضاء على تنوّعه البهيّ والفريد.

2- التأكيد على مفهوم الحرب الاستباقية وديمومتها فلولاها «لأكلت تغلب الأرض»، أي لغزا التكفيريون لبنان كلّه. مفهوم الحرب الاستباقية استراتيجيّ ومطلوب في ظروف كهذه.

3- التأكيد على الإمساك بالأمن اللبنانيّ، ولكنّ الشرط أن تحسم مسألة المخيمات بعدما باتت وكرًا للخلايا الراقدة في جوفها.

4- التعاطي مع مسألة القاع لجزء من استراتيجيا دفاعية تختص بلبنان. وما العملية التي طالت مسؤول سوى رسالة واضحة المعالم تؤكّد محضونية المسيحيين.

5- السعي لدى الحكومة اللبنانيّة لحسم المعركة في جرود عرسال عن طريق الجيش اللبنانيّ، وقد ذكّر بأنّه لو تمّ الحسم منذ زمن لتغيّرت معطيات كثيرة وعديدة بالمعاني والاستحقاقات السياسيّة.

6- البقاء على ثوابته السياسيّة فيما خصّ الداخل اللبنانيّ والاستحقاق الرئاسيّ أو السلّة المقترحة.

وتبقى المخيمات جرحًا مفتوحًا. لقد خلا من الطابع الإنساني ليندرج في المسالك السياسيّة الاستثماريّة، وما طرحه السيد نصرالله مجموعة ثوابت بإمكانها حسم الموقف وعدم تكرار واقع الأزمات المفتوحة منذ سنة الحرب اللبنانيّة المفتوحة وما قبلها. لبنان الآن ضمن مجموعة متغيرات تحاصره وتنطلق من فحوى الأزمة في سوريا، ومن مضمون تحركات جديدة بين الأتراك والروس وبين الأميركيين والروس، كلّها عوامل بدأت تظهر، فهل يدرك اللبنانيون أنّ طرق الحسم يجب أن تكون وشيكة أو أننا نتلكأ حتى نؤخذ إلى حيث لا نشاء؟