IMLebanon

طبول الفقر تقرع والجوع يسرّع خطواته

 

 

اذا كنا نعيش اليوم في أفضل حال، مقارنة مع ما سينتظرنا في الأشهر المقبلة، ونسبة الفقر في لبنان تسجّل نسبة 55% أو أكثر مقارنة مع 28% في العام 2019، والفقر المدقع 23% مرتفعاً من 8% في العام الماضي إستناداً الى دراسة الإسكوا، فماذا ستكون عليه حالنا ومعيشتنا يا ترى في الأشهر المقبلة؟ والى أي حدّ من الإنحدار بل الإنعدام ستبلغ قدرتنا الشرائية التي تتآكل بسرعة مع الإتجاه التصاعدي لسعر صرف الدولار وسط الأجواء السوداوية التي تخيّم على البلاد؟

 

فعلاً، نسبة أكبر من الشعب ستجوع، وسنشهد موجة مجاعة فعلية واسعة النطاق، اذا ما رفع الدعم تدريجياً من خلال الترشيد أولاً قبل رفعه نهائياً، اذ سيصل سعر صفيحة البنزين الى 70 ألف ليرة من نحو 25 ألف ليرة، والمازوت الى 64 ألف ليرة مقارنة مع 12 ألف ليرة اليوم، أما الدواء فحدّث بلا حرج عن المستوى الذي سيصل اليه ومعه الكلفة الإستشفائية والتأمينية والنقليات…. كلّ ذلك تقابله زيادة في البطالة وخفض في الرواتب الى النصف فالربع قبل الصرف النهائي.

 

هذا الوضع المأسوي أكّده رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ”نداء الوطن” فاعتبر أن “نسبة الفقر في لبنان مؤهّلة للإرتفاع أقلّه بنسبة 20% خــلال الأشـــهر الستة المقبلة اذا ما استمرّ الوضع الإنحداري الذي نعيشه اليوم، علماً أن كل الأجواء تدلّ على أننا نسير في هذا الإتجاه”.

 

وأضاف: “من هنا فإن نسبة الفقر سترتفع وقد تصل الى نحو 85% اذا رفع الدعم من مصرف لبنان ما سيؤدّي الى المزيد من التراجع في القدرة الشرائية للمستهلكين، وتفاقم في الأزمة الأجتماعية”.

 

صرف جماعي

 

وبالنسبة الى البطالة التي تتزايد نتيجة مجازر الصرف الجماعي الذي تقوم به المؤسسات الكبيرة لا سيما مستشفى الجامعة الأميركية الذي صرف 800 موظف منذ أشهر معدودة، والمصارف التي توظّف نحو 26 الف موظف، تتجه الى تقليص مصاريفها وإقفال الأقسام التي لم تعد تجدي نفعاً مثل قروض السيارات وغيرها وإقفال بعض فروعها، فلا تجد سوى الصرف الجماعي أيضاً كملاذ آمن للملمة صفوفها والمحافظة على تواجدها. علماً أنها تعمد الى تقديم عروضات مغرية وهي عبارة عن تعويضات كبيرة لمن يرغب في مغادرة العمل، ذلك طبعاً عدا المؤسسات والمحال التجارية التي تقفل أبوابها…

 

عن ذلك يتوقّع الأسمر إستناداً الى المعطيات التي لدى الإتحاد العمالي أن “تتعدّى البطالة التي تبلغ نسبتها اليوم 45%، نسبة الـ50% لدى النساء، مقارنة مع 30% لكل الفئات في الفترة التي سبقت 17 تشرين، متوقعاً أن تستمرّ الوتيرة التصاعدية في نسب البطالة تلك في الأشهر المقبلة”.

 

ويوضح أنه “وفق تلك المعادلة يتّضح ان نصف العمالة المصرفية مهدّدة بالانضمام الى البطالة خصوصاً مع إقدام بنك بيروت أخيراً على صرف نحو 700 موظف وعزم بنك عوده كما يترددّ على صرف نسبة 40% من المستخدمين لديه والإتجاه نحو الدمج”. وهنا تتبادر الى الأذهان تساؤلات حول إمكانية إقبال المصارف على بدء عمليات الدمج التي يحكى عنها، في ظلّ الزنقة التي ترزح تحتها البنوك والإصرار على زيادة رأسمالها بنسبة 20% في شباط كحد اقصى وإلا سيتمّ إخراج المتقاعسة عن ذلك من السوق؟ أكثر من خبير مصرفي أكّد لـ”نداء الوطن” أن المصارف اللبنانية غير قادرة على الاندماج في الوقت الراهن باعتبار أن تلك العملية تحصل عادة إرادياً بين بنك قوي وآخر ضعيف، من هنا في وضعنا الراهن، من الصعوبة الإقدام على هذه الخطوة، لأن المصارف مثلها مثل سائر المؤسسات في لبنان تمرّ بظروف صعبة. من جهتها تعتبر مصادر جمعية المصارف رداً على “نداء الوطن” حول ما يحكى عن إمكانية إجراء دمج بين مصرفين قريباً، انه “في ظلّ الظروف الحالية من الطبيعي ان تتم بعض عمليات الاندماج والتملّك خصوصاً على عتبة انتهاء مهلة زيادة رأس المال في آخر شباط. لكن هذا النوع من الصفقات يتمّ باتصالات بين المصارف المعنية ولا تبلغ الجمعية عنها الا بعد إنجازها، لذلك تبقى الجمعية كأي وسيلة اعلامية اخرى في انتظار الخبر اليقين”.

 

القطاع السياحي

 

وليست البنوك هي المؤسسات الوحيدة التي تمارس “هيركات” الصرف من العمل، بل إن القطاع السياحي كان أول من بادر الى اتخاذ إجراءاته في هذا السياق كونه المتضرّر الأكبر من الجمود السياحي الشامل منذ نحو عام. فالمؤسسات تلك مهدّدة بدورها بشكل كبير بسبب الأزمتين المالية والإقتصادية التي ندور في دوّامتهما، وانتشار وباء”كورونا” الذي لا نعرف له سبيلاً، بل يؤدّي الى تفاقم أعداد المصابين ومعه القدرة الإستيعابية للمستشفيات… حول ذلك يقول الأسمر إن “نحو 100 ألف وظيفة مهدّدة بالضياع اذا استمرّ وضع القطاع السياحي على حاله”. موضحاً أن قطاع المطاعم والباتيسري وحده كان يضم 180 ألف فرصة عمل، فقدنا منها نحو 50 ألفاً، ونحو50 ألفاً أخرى مهدّدة اليوم اذا استمرّ الوضع كما هو عليه”.

 

إذاً، تعدّدت القطاعات الإقتصادية التي تصيبها عاصفة تدهور العملة الوطنية بسبب التشنّجات السياسية وضياع الوقت وعدم الشروع في الإصلاحات، وجائحة “كورونا”، وتبقى النتيجة واحدة: اليوم الذي نعيشه حالياً رغم مرارته وكل مآسيه، سنترحّم عليه غداً عندما تذوق غالبية الشعب اللبناني الجوع الحقيقي، في ظلّ شبح التشاؤم والسوداوية التي يتسبّب بها المتشبّثون بكراسيهم وبمصالحهم وتبعيّتهم.