لا غبار على أن العقوبات الأميركية على حزب الله اضافة إلى ولادة جائحة كورونا بعد فترة قصيرة جعلت الطبقة الوسطى اللبنانية تصاب بالاندثار، فازدادت البطالة وتوحش الفقر وتعملق الجوع الكافر وكل ذلك تزامن مع اصرار فريق سياسي أساسي على استمرار مخالفته احكام الدستور وضربها بعرض الحائط في محاولة منه لتقويض اتفاق الطائف الدستور الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، على وقع عودة سماع صوت سيمفونية الفيديرالية التقسيمية التي تذكرنا دوماً بجنون سنوات الشرذمة والتفرقة اللتين تعشقان حب القوة واراقة الدماء بدلاً من اتفاق الطائف العاشق لقوة المحبة.
وبالعودة إلى ما تسببت به جائحة كورونا على وجه الخصوص في لبنان أثار تقرير نشر في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية بتاريخ 21 أيار 2020 تحت عنوان «موت الطبقة الوسطى في لبنان»، بأن «وطن الأرز بدأ يتهاوى نحو فقر دائم»، ويضيف التقرير أنه «على مدى الاشهر القليلة الماضية ومع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية أغلقت المؤسسات التجارية أبوابها وسرّحت عمالها بشكل جماعي وعندها أدرك العاملون في الشأن الخيري أن الفقر أصبح تجربة جديدة وأكثر انتشاراً بين سكان المدن اللبنانية».
أما الدراسة الصادرة عن «الدولية للمعلومات» فأشارت إلى أن «عدد العاطلين عن العمل قبل 17 تشرين الاول 2019 كان نحو 350 ألفاً أي ما نسبته 25 % من حجم القوة العاملة»، لكن نتيجة ما أصاب البلاد بعيد التاريخ المذكور آنفاً، فقد صرف من العمل نحو 80 الفاً ليرتفع العدد الاجمالي للعاطلين عن العمل إلى نحو 430 ألفاً أي ما نسبته 32% .
وكشفت «الدولية للمعلومات» أيضاً في شهر كانون الأول 2020 أن نسبة الفقر المعلنة وإن كانت بشكل غير رسمي فقد بلغت 55 % من اللبنانيين أي ما يصل إلى 2.3 مليون لبناني، ويقول الباحث في الشركة المذكورة محمد شمس الدين بأن 95% من اللبنانيين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية ، وهذه الرواتب فقدت قيمتها مع انهيار أسعار الصرف وتراجع القيمة الفعلية للحد الأدنى للأجور من 450$ إلى 72 $ فقط في مجتمع تعتبر فيه تكاليف المعيشة مرتفعة مقارنة مع دول الطوق. وتكمل الدولية للمعلومات لتفيد بأنه وبناءً على التقارير الصادرة عن قوى الأمن الداخلي، فإن المؤشرات الامنية سجلت حوادث سرقة السيارات والسرقة وجرائم القتل ارتفاعاً كبيراً خلال عام 2020 مقارنة بعام 2019، فسرقة السيارات ارتفعت نسبتها إلى 120% بينما بلغت نسبة ارتفاع حوادث السرقة إلى 93.8 % ، كما سجلت جرائم القتل أيضاً ارتفاعاً كبيراً بلغت نسبته 100 % .
ونتيجة الأوضاع الاقتصادية المنهارة جراء العقوبات الأميركية وجائحة كورونا أعلنت ماركات عالمية عزمها على الخروج من السوق ، فشركة مايك سبورت رفضت الانخراط في لعبة البيع والشراء الغير رسمية لعملة الدولار وأقفلت أبوابها بشكل مؤقت ولحقت بها شركات أخرى مثل ماري فرانس، فيما استمرت معاناة شركات كثيرة جراء سعر صرف الدولار واستمرار كارثة كورونا التي حلت بلبنان، ومن هذه الشركات شركة الشايع والتي تملك أسماء عالمية تعمل في لبنان مثل H&M وشركة Mother وشركة pink berry Mother care ، وAmerican eagle وغيرها كذلك العلامات التجارية العالمية التي تمتلك ترخيصاً امتيازها شركة دارن انترناشيونال التي قررت اقفال معظم محالها بتاريخ 28 تشرين الأول 2020 .
في شهر تشرين الثاني 2020 أظهر مسح للقوى العاملة والاوضاع المعيشية الذي اصدرته المديرية العامة لادارة الاحصاء المركزي عن الفترة الممتدة بين نيسان 2018 وآذار 2019 بأن معدل البطالة في لبنان وصلت نسبته إلى 35% بين الشباب من حملة الشهادات الجامعية في الوقت الذي يتنبأ خبراء اقتصاديون بأن تصل هذه النسبة إلى 50 % .
وبحسب المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين فإن عدد الخريجين من الجامعات في لبنان سنوياً يصل إلى 32 الفاً وسوق العمل اللبناني لا يقدم في الوقت عينه سوى 3000 وظيفة جديدة سنوياً إلى جانب استيعابه 9000 فرصة عمل قديمة في حين يزيد عدد طالبي العمل سنوياً عن 40000 موظف « 32000 منهم من خريجي الجامعات « من هنا يحرم 37000 مواطن من الحصول على وظيفة.
أما بالنسبة إلى الموظفين في المدارس فهناك احتمال صرف ما بين 10000 إلى 15000 موظف في المدارس الخاصة نتيجة عدم قدرة الأهالي على تسديد الأقساط المتوجبة عليهم.
ومع اقفال أبواب الهجرة جراء جائحة كورونا قد يمنع 50 الف إلى 60 الف مواطن لبناني من العمل في الخارج مع احتمال عودة نحو 200 الف آخرين من افريقيا ودول الخليج وأوروبا بعدما فقدوا وظائفهم هناك نتيجة التراجع الاقتصادي بسبب أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط في دول الخليج. وعملياً فقد سبق للاستطلاعات الدولية أن أشارت نقلاً عن عدة شبكات بينها شبكة العين الاخبارية، بأن عدد العاطلين عن العمل في لبنان يقترب جداً من تحقيق رقم قياسي وهو مليون عاطل عن العمل قبل نهاية عام 2020 .