لا يختلف اثنان من أركان طاولة «هيئة الحوار الوطني» أنّ أمام الهيئة فترةً قصيرة لإثبات قدرتها على تصويب المسار المنحدر الذي يمكن أن يقود البلاد إلى حيث لا يريد كثُر. فالمتحَلّقون حولها يدركون حجمَ المخاطر التي تهدّد البلاد والعباد وسط رهانٍ على قدرةِ أقطابها على استيعاب حراك الشارع، فهُم على ثقةٍ بأنّهم أقوى منهم جميعا. فكيف؟
عكست الجلسة الأولى لهيئة الحوار الوطني التي انعقدت الأربعاء الماضي – رغم كلّ ما رافقها من تشنّج ومواقف متباعدة – انطباعات قوية أنّ من هم حولها قادرون على تغيير بعض المعادلات المسموح بها في الداخل اللبناني متى تراجعوا عن سقوف مواقفهم العالية خطوة إلى الوراء، إلى أن يلتقوا على الحد الأدنى من القواسم المشتركة التي يمكن أن تفتح كوّة في جدار الأزمة المقفلة على كل أشكال الحلول والمخارج.
ويعتقد أحد أقطاب الطاولة أنّ أمام المجتمعين حولها هامشاً واسعاً مِن الحركة للتفاهم على الكثير من القضايا والملفّات الداخلية، وخصوصاً تلك التي تعني شؤون الناس اليومية التي يمكن مقاربتها دون المس بالثوابت التي تعيق التفاهم على أولويات المرحلة نتيجة الانقسام العمودي الحاد الذي كاد يطيح بالدعوة التي وجّهها الرئيس نبيه بري لو لم تأت في توقيت دقيق وضع الجميع أمام استحقاق لا بدّ منه.
فعلى وقع ارتفاع منسوب التوتّر في سوريا وبوادر المواجهة بين الحلف الدولي على داعش من جهة والضغط الروسي – الإيراني الجديد والغليان في الساحات العربية الأخرى التي يمكن ان تنعكس على الساحة اللبنانية، فإنّ هذه العوامل فرضت إعادة النظر في المواقف الإيجابية من الدعوة الى الحوار.
وزاد الطين بلّة أن اشتعل الشارع في بيروت والمناطق وسط المخاوف من أن تكون هناك أصابع خارجية تدير جزءاً من هذا الحراك فسارَع الجميع إلى تلقّف الدعوة لعلّها تكون مناسبة لاستيعاب التطورات الخارجية والداخلية وتطويعها لصالح المزيد من الاستقرار الداخلي ولو بحدّه الأدنى.
على هذه الخلفيات نجح الرئيس بري في الحصول على موافقة الجميع، رغم عدم توافر كل مقومات النجاح لهذا الحوار من اليوم.
هناك من يعتقد أنّ بإمكان المتحاورين إنجاز شيء ما يلبّي الحد الأدنى من الآمال المعقودة على الحوار، رغم معرفة أطرافه أنّ ما هو معلن من مناقشات لم يلامس الكثير من الحقائق التي تناقش في كواليس حوارات ثنائية وثلاثية أخرى وخصوصاً تلك المرتبطة بالتعيينات العسكرية والنفايات.
وعلى هذه القاعدة هناك من يراهن انّ هيئة الحوار ستحقق شيئاً ما رغم اعتبارها هيئة غير دستورية تصادر ادوار ومهام المؤسسات الدستورية. بدليل انّها جاءت لتحلّ مكان المجلس النيابي المشلول وكادت تطيح بالحكومة لولا إصرار رئيسها على عقد جلسة استثنائية للبتّ بملف النفايات وجّه الدعوة إليها قبل انعقاد الهيئة ليؤكد على تمسكه بدور الحكومة خارج اعمال الهيئة ولو بقيت جلسة يتيمة.
ومن هنا يراهن بعض أقطاب الطاولة انّها ستنجح في مكان ما، ويمكنها ان ترفع من يقظة المؤسسات الدستورية في مواجهة غضب الناس من الأداء الرسمي والحكومي بدليل انّ الحراك المدني ما زال يقضّ مضاجع الجميع خصوصاً عندما يتنقل بفعالياته من موقع إلى آخر، بدليل ما شهدته مناطق صيدا والمصنع وطرابلس وصولاً الى محيط وزارة البيئة ووسط وشاطئ بيروت من نقزة سياسية وأمنية لديهم.
وعليه فإنّ هذا البعض يراهن على تعب الحراك المدني ويسعى بما أوتي من قوة لتطويق حركته والتخفيف من وهجها الى ان تتوفّر المخارج لبعض الملفات.
وهو أمرٌ ممكن، فإذا ما توحّدت الرؤية حول ملف النفايات ما بين الرسميين والخبراء وممثلي هيئات المجتمع المدني لربما توصّلوا الى تحديد أماكن المطامر المؤقتة لسحب النفايات من الشوارع وولوج المرحلة الثانية البعيدة المدى حيث سيكون امامهم المزيد من الوقت لترتيب الأمور وتطويق أيّ تحرّك مقبل على خلفية ملف النفايات.
ولذلك، يعتقد هذا البعض انّ التجارب السابقة علّمتهم انّهم باتحادهم حول طاولة ما أقوى من أي حراك مدني وشبابي، وستُظهر الأيام أنهم كذلك. فبعض المخارج الممكنة لأيّ ملف من الملفات العالقة وخصوصاً التي تستفز الناس في ايديهم. وباتوا على يقين من أنّ الأيادي الخارجية في حركة الشارع ضعيفة وليست هي التي تديره.
وهم يدركون أنّ الأسباب بمعظمها داخلية، وما عليهم سوى مقاربة الحلول التي من الممكن الولوج من خلالها إلى مرحلة من الاستقرار رغم الفشل المتوقع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية كما بالنسبة الى إنجاز قانون جديد للإنتخاب الى ان يقضي الله ومعه المجتمع الدولي حلاً ما لِما يجري في المنطقة فينسحب على لبنان.