Site icon IMLebanon

إنتاج السلطة بين القوى القاهرة والقائد المُلهم

 

أما وقد فتحت معركة الإنقلاب على إتفاق الطائف تحت مسميّات المعيار الواحد والتمثيل الحقيقي وحصة الرئيس، فالأزمة الحكومية في لبنان ماضية على حالها الى أجلّ غير مسمّى، حتى حصول متغيّر كبير تفرضه متغيّرات الإقليم،  أو مصاب جللّ تسقطه العناية الإلهيّة. يحاكي  لبنان النموذج العراقي ليس فقط في التعثّر في إنتاج السلطة بل بالفساد المستشري وتحللّ الإدارة والإنهيار الأخلاقي وغياب الإرادة الوطنية. في البلدين جنوح نحو الإستتباع، يتدخل الخارج أو يُستدرج ليفرض إملاءاته، وبشكلٍ سافر، في اختيار رأس السلطة. في البلدين يجتمع المجلس النيابي ويعجز عن التصويت وتتحوّل الكتل النيابية الى كتل هلاميّة تنتظر إيحاءً من هنا أو من هناك لتنتقل من اصطفاف الى آخر. المرجعيات الدينية في كِلا البلدين لها وزنها وتأثيرها في الحياة العامة والقرار السياسي بالرغم من عدم وجود أي نص دستور يحدّد دين الدولة أو يعطي أي دور سياسي للمرجعيات الدينية خارج نطاق الأحوال الشخصية والإرث.

يبدو الفشل العراقي ناتج عن القوة القاهرة التي واكبت تشكيل السلطة، سواءً قبل التّدخل الأميركي أو بعد تغيير السلطة عن طريق العنف والإحتلال.  الشرذمة المذهبيّة التي ساقتها نظرية الفوضى الخلاقة والرغبة الإقليمية بالثأر التاريخي، استباحت جذور الدولة العميقة وقضت على الحاضرة العلميّة والقيّم الأخلاقية وهدرت الثروة الوطنية. عبّرت أحداث البصرة، وبصرف النظر عما ستؤول إليه على صعيد تغيير مفهوم اختيار رأس السلطة التنفيذيّة، عن إنتفاضة حقيقية على الأمر الواقع ورغبة واضحة لوضع الأمور في نصابها، حيث شكّلت المرجعيّة الدينية النجفيّة مرجعيّة وطنية ضامنة عبّرت عن توجّه الرأي العام وتقدّمته.

تعدّدت مسببات الفشل اللبناني في تكوين السلطة، مع التطبيق المجتزأ لإتفاق الطائف. خضعت آلية إنتاج الرئاسات للقوّة القاهرة الإقليمية ، وتبارى اللبنانيون في مختلف دوائر السلطة في الإستزلام للقوّة القاهرة لاحتلال أماكنهم في دائرة النفوذ والثروة. مع استشهاد الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان أصبحت مسألة إنتاج السلطة خاضعة لإشكالية من يصنع الرئيس في لبنان وأحياناً من يُسقط الرئيس في لبنان؟…وتشهد على ذلك التعديلات القسريّة للدستور والتمديد للمجلس النيابي والتأجيل المستمر للإنتخابات والتعثّر في تأليف الحكومات وإنتاج مفهوم الثلث المعطّل بدل أكثرية الثلثين وفصل رئيس الجمهورية عن السلطة التشريعية التي أنتجته وإدخاله في نزاع مع السلطة التنفيذية التي هي أداة حكمه بإعطائه حصة رئاسية. تضيف الأزمة الحكومية المفتوحة في لبنان حالياً مفهوماً جديداً يُضاف الى ما راكمته التجربة اللبنانية البائسة وثقافة البداوة السياسية، هذا المفهوم هو مفهوم القائد المُلهم المسكون بالرغبة في الإنتحار. يعبّر القائد المُلهم عن نفسه بالسير الدائم على حافة الهاوية وبالجنوح نحو دخول التاريخ فيما تعبّر الإستباحة المطلقة لكلّ الموروث السياسي والأخلاقي عن إحتفالية الإنتحار.

قد يكون أصدق تعبير عن توزّع السلطة حالياً في لبنان ما ورد في بيان المغفور له الرئيس سامي الصلح في المجلس النيابي بتاريخ  9 ايلول 1952: «أما إذا شئتم أن تسألوا عن كيفية سير الدولة ومجرى الأعمال في الدوائر والوزارات فإليكم الحقيقة التالية: الحكم المجزأ بين السراي والقصر، كثيراً ما كنت أطلب الوزراء والمديرين العاملين وبعض الموظفين لأجتمع إليهم واستوضحهم في قضايا إدارية فلا أجدهم في مكاتبهم، وعندما أستفسر أعلم إنهم كانوا في القصر الجمهوري. إنّ أرباب الحكم الذين يحكمون ولا يُسألون يتدخلون في كلّ شاردة وواردة».

هل يصبح الجنوح نحو الإنتحار طقساً سياسياً جديداً في لبنان!!؟؟