يرى وزراء انه لم يعد من الجائز أن تتحول الحكومة كل مرة من حكومة عمل الى حكومة تعطيل كلما حصل خلاف على مشروع ملح وضروري مثل النفايات وكأن هذا ما يريده معطلو الانتخابات الرئاسية بغية ايصال البلاد الى حافة الفراغ الشامل. فانتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعا لا يعطي اي وزير حق “الفيتو” ضد كل مشروع لا يعجبه او يجعل منه رئيسا بالوكالة… أو كأن وراء المعطلين من يريدون ايصال لبنان الى حافة هذا الفراغ ليقبضوا ثمن الحؤول دون وقوعه فيه.
إن صلاحيات الرئاسة الأولى التي انتقلت إلى مجلس الوزراء مجتمعاً لا تنص على تعطيل عمل الحكومة كلما صار خلاف على مشروع، انما تنص على اللجوء الى التصويت عندما يتعذر التوافق وذلك تطبيقا لأحكام المادة 65 من الدستور، وهو ما كان يلجأ اليه رئيس الجمهورية كلما رأى ذلك ضروريا وتقضي به المصلحة الوطنية.
ولا بد من التذكير بنص هذه المادة كاملا وهو الآتي:
“تناط السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء، وهو السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة، ومن الصلاحيات التي يمارسها:
1 – وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها.
2 – السهر على تنفيذ القوانين والانظمة والاشراف على اعمال كل اجهزة الدولة من إدارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء.
3 – تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون.
وقد عددت المادة 65 المواضيع التي تعتبر اساسية وهي 14 موضوعا وتحتاج الى موافقة ثلثي عدد اعضاء الحكومة، وليس بينها موضوع النفايات ولا موضوع تلزيم شبكة الاتصالات ولا موضوع تلزيم التنقيب عن النفط والغاز، ولا تنص على إنشاء كليات ولا غيرها من المواضيع المهمة التي تخضع الموافقة عليها لأكثرية الثلثين بل للأكثرية العادية عندما يتعذر التوافق عليها.
لذلك فإن الحكومة تخالف احكام هذه المادة بتعليق تطبيقها خوفا على التضامن الوزاري، او بتحويل مجلس الوزراء مجلسا رئاسيا خلافا للدستور ولصلاحيات رئيس الجمهورية التي انتقلت الى هذا المجلس. وهي صلاحيات تعطي حق اللجوء الى التصويت عندما يتعذر التوافق، والمطلوب من الوزراء المعترضين على اي مشروع التزام ما تقرره الاكثرية والاكتفاء بتسجيل اعتراضهم في محضر الجلسة لأن دقة المرحلة وخطورتها لا تسمحان باستقالتهم، والا تحمّلوا مسؤولية إحداث فراغ شامل يعرض البلاد لفوضى مفتوحة على كل الاحتمالات. فعلى المتحاورين إذاً في عين التينة ومن سيتحاورون في الرابية وغير الرابية ان يرجئوا البحث الطويل، وربما العقيم، في تحديد مواصفات الجمهورية، ويهتموا بالاتفاق على صفات رئيس يستطيع مع الحكومة التي يتم تأليفها تحديث الجمهورية وتطويرها وتحديث دستورها وقوانينها تحقيقا لاستمرار الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي وجعله دائما وثابتا. والتوصل الى مثل هذه الجمهورية يحتاج الى وقت والى مناخ سياسي وأمني ملائم. وإقامة هذه الجمهورية تبدأ بانتخاب رئيس لها، ولا تبدأ باتفاق او عدم اتفاق زعيمين مارونيين على مواصفاتها، وهو اتفاق يحتاج ايضا الى اتفاق كل الزعماء اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم ومذاهبهم فيما الوقت هو وقت انتخاب رئيس وليس وقت البحث في جمهورية جديدة والبحث فيها يطول.
إن الحكومة الحالية عندما تصبح حكومة عاطلة عن العمل وفي ظل شغور رئاسي ومجلس نيابي عمله مقنن، فإن المستمرين في تعطيل الانتخابات الرئاسية يتحملون وحدهم المسؤولية، ومطلوب منهم، كما قال البطريرك الكاردينال الراعي، الحضور الى مجلس النواب وعدم الخروج منه الا بعد انتخاب رئيس، والا فإنهم يكونون يؤكدون ارتباطهم بخارج لا يريد ذلك، والا لكان تم انتخاب الرئيس قبل اشهر كما صار اتفاق على تشكيل حكومة برئاسة تمام سلام، وكأن هذا الخارج المتصارع في لبنان وعلى لبنان يريد تشكيل مثل هذه الحكومة التي تتمثل فيها احزاب وتيارات متناقضة وغير متفقة الا على الاستيزار لتضع لبنان عند حافة الفراغ حين تتحول بفعل الخلافات بين اعضائها حكومة تصريف اعمال… تمهيداً للفراغ الشامل مع استمرار الخلاف على انتخاب رئيس وخلاف بين الوزراء لشل عمل الحكومة. وهذا يطرح السؤال المثير للريبة والقلق: لماذا اتفق الخارج على تشكيل مثل هذه الحكومة المفخخة ولم يتفق على تسهيل انتخاب رئيس يخرج لبنان من الوضع الشاذ؟!