IMLebanon

ممارسة الحل العسكري والمطالبة بالحل السياسي

ليس أهم من تحرير تكريت من تنظيم داعش التكفيري سوى أن يسود مناخ الوطنية العراقية مرحلة ما بعد التحرير. فلا العلم العراقي الذي رفعه رئيس الوزراء حيدر العبادي في مركز المدينة حجب مخاوف الأهالي من ممارسات الميليشيات الوقحة على حدّ التعبير الذي استخدمه السيد مقتدى الصدر. ولا التحرير على أيدي قوى مذهبية، مع تقدير تضحياتها، يخلو من أسئلة وهواجس تعيد التذكير بما قاد الى سيطرة داعش على ثلث العراق وربع سوريا، وبما يجب توافره كشرط لنجاح التحرير وإكماله.

ذلك ان صعود داعش لم يكن ممكناً بالشكل السريع الذي حدث فيه لولا السياسة الطائفية قصيرة النظر التي مارسها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على مدى ثماني سنوات من تهميش السنّة والضغط على الأكراد والاصطدام حتى بالقادة الشيعة. ولا كانت سيطرة داعش على الموصل ممكنة لولا انهيار الفرق العسكرية التي بناها المالكي على أساس الهوية الفئوية والولاء الشخصي. والتحدّي الكبير حالياً أمام العبادي وحكومته هو القدرة على توسيع العملية السياسية وتفعيلها كشرط لنجاح الحل العسكري ضد داعش وضمان فاعلية المشاركة الجوية للتحالف الدولي في المعركة.

واذا كان تهميش الحل السياسي في العراق قاد الى حرب ضد داعش الذي لا مجال لحل سياسي معه، فان الهرب من الحل السياسي في سوريا واليمن وليبيا جعل من الثورات حروباً. واذا كان من الصعب تجاهل الفوارق بين الأوضاع في هذه البلدان الثلاثة، فان من السهل رؤية نوع من القاسم المشترك بينها. ولعل مختصره في معادلتين: الأولى هي ممارسة الحل العسكري، والمطالبة بالحل السياسي. والثانية هي طغيان الطابع المذهبي على الاستقطاب في صراع جيوسياسي كبير، مع الحرص في الخطاب على نفي الخلاف المذهبي، واستخدام البعد الوطني والعمق القومي العربي.

وأعلى الأصوات التي تطالب بالحل السياسي هي أصوات القوى التي تمارس الحل العسكري وتراهن عليه لضمان النصر الكامل أو أقله لفرض الحل السياسي الملائم لها. حرب سوريا التي دخلت عامها الخامس استهلكت ثلاثة موفدين دوليين وجعلت كل محاولات الحل السياسي في جنيف وسواها مجرد تمارين في العبث. حرب ليبيا ورثت ثورة وجاءت بعد مسار سياسي انتخابي ديمقراطي لم يعجب المتطرفين. وحرب اليمن قاد اليها الهرب من الحل السياسي الذي عكسته مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. وفي الحالات الثلاث تتشابك أبعاد محلية متعددة مفتوحة على أبعاد اقليمية ودولية معقّدة.

والمفارقة ان كل الذين يمارسون الحل العسكري يعرفون انه لن ينجح ولن يقود إلاّ الى حل سياسي، ولكن بعد خراب البلد.