دعا وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف السبت 18 شباط 2017، إلى قيام نظام عالمي جديد، «لا تهيمن» عليه الدول الغربية، أسماه نظام «ما بعد الغرب»، مقترحاً في الوقت ذاته إقامة علاقة «براغماتية» مع الولايات المتحدة.
ذكّر لافروف، خلال مؤتمر الأمن في ميونخ، أنّه «على القادة في العالم أن يُحدّدوا خيارهم. وآمل في أن يكون هذا الخيار هو نظام عالمي ديمقراطي وعادل».
لقد أتت الدعوة الروسية، بعد سلسلة من الأحداث، التي أظهرت تراجُع الدور الأميركي في قضايا المنطقة. مع دخول روسيا الاتّحادية عسكرياً في سوريا، وخلطِها الأوراقَ مُجدّداً، ما عرقلَ تطبيق خارطة الطريق الأميركية. وقد أوضح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، «أنّ التدخّل الروسي، قد أوقف إطلاق النار في سوريا، ونجح في إيقاف الحرب الأهلية هناك».
وهيمنت السياسة الأميركية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1990، كقطبٍ أوحد على الساحة الدولية. وعمدت لنشر براغماتيتها، التي هدفت إلى خلقِ إنسان عالمي، يسعى لتحقيق المنفعة المادية. مترجمةً هذا، في ممارساتها في التعاطي مع ملفات منطقة الشرق الأوسط.
إنّ السياسات التي انتهجتها، إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، طرَحت إشكالية: حول مدى فعالية البرغماتية الغربية في ضبط نزاعات المنطقة؟ لكن، هذا لا يعطي الأفضلية إلى الدور الروسي في استلام زمام القيادة في منطقة مِثل الشرق الأوسط، حيث نارُ النزاعات باتت لا تنطفئ. خصوصاً مع سلسلة التحالفات الهشّة، التي عقدَتها مع الأطراف الإقليميين. فهي معرّضة تحت ضغط تقاطعِ المصالح في ما بينها إلى الانهيار، لا بل إلى التأزّم والتقاتل.
أبرز هذه التحالفات
• الحليف الإيراني، حيث خاضا سويّاً حروباً في سوريا دعماً للنظام. إلّا أنّ الخلافات في الرؤية والأهداف لا شكّ في أنّها ستطفو على السطح، مشكّلةً عداوةً قد تتحوّل إلى نزاع بينهما. فشِراء شركة «بيل أويل» في روسيا البيضاء 80 ألف طن من النفط الخام الإيراني الخفيف والثقيل، من شركة النفط الوطنية الإيرانية للتحميل في ما بعد، وفق ما ذكرَت وكالة الأنباء «رويترز»، قد تكون بداية النهاية للحلف الإيراني – الروسي.
• الحليف التركي، المستجدّ، بعد عملية الانقلاب الفاشلة، واتّهام السلطات التركية ضلوع الولايات المتحدة فيها. عملت تركيا، على التقارب مع القيادة الروسية في المنطقة، بعد علاقات شهدت تأزّماً ضرَّ باقتصاد كِلا البلدين. إلّا أنّ ما يحصل في سوريا والعراق، واتهام القيادة الروسية، بأنّ لتركيا أجندةً تعمل على تطبيقها في المنطقة.
قد يدفع هذا إلى عودة التأزّم بين البلدين، في ظلّ التقارب الذي تبديه الإدارة الجديدة الأميركية. إذ، أبلغَ نائب الرئيس الأميركي مايك بنس رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم أنّ إدارته ترغب في «انطلاقة جديدة» للعلاقات بين أنقرة وواشنطن، بحسب ما أوردت وسيلة إعلام تركية.
إنّ دخول الروسي عسكرياً، في ساحة النزاعات الدائرة في المنطقة، وفرْضَه معادلةً جديدة، سَعت إلى تقويض البراغماتية الأميركية في المنطقة، التي مسّت بمصالحها، وهدّدت وجودها. لذلك، أتت الدعوة الروسية على لسان وزير خارجيتها لبناء عالم ما بعد الغرب.
أخيراً، أمام الأحداث الدامية في المنطقة، وعدم مقدرة أيّ مِن الأطراف المتنازعة على حسمِ النزاع لمصلحته. يبدو أنّ أيّ دعوة لتغيير السياسة العالمية، ووضع براغماتية جديدة، ستكون سابقةً لأوانها. فالعوامل لم تنضج بعد في إحداث التغيير، كما وأنّ الإدارة الأميركية الجديدة لديها الكثير لتفعله في نزاعات المنطقة.
إضافةً، إلى أنّ موازين القوّة لم يفرضها اللاعب الروسي، الأمر الذي يستبعد استجابةً من الجانب الأميركي – الغربي، الذي لم تزَل الكرة في ملعبه، لِما له من مقدرةٍ عسكرية واقتصادية على إدارة النزاع وحيداً، على رغم تسجيل بعض النقاط هنا أو هناك.