Site icon IMLebanon

صلاة البخور…

يأخذنا فضول كبير لمعرفة أيهما يطغى الآخر في وجدان اللبنانيين في هذا اليوم، أهو الزهو بالتحرير ام الانكسار بالفراغ الرئاسي والسياسي والدستوري؟

أسوأ ما يحل بلبنان بعد سنة الفراغ، ان يجد الناس انفسهم لامبالين لا برئاسة شاغرة ولا بنبض التحرير وانما فقط بقلق يتآكلهم من غد تجاوز كل ذكرى وكل موعد وكل استحقاق. والأمر لا يتوقف فقط على مشاعر الناس بل يتمدد الى معطيات الارض والأمن والسياسة في الواقع اللبناني المتجه الى مجهول.

لم تستنفد الأزمة الرئاسية سنة فقط من فراغ لبنان بل كادت تجهز على صورة دولة، كان لا يزال ممكناً انقاذها من براثن الدول المصنّفة فاشلة. وها نحن الآن، لا ندري كم يمكن بعد ان نُصنف مواطنين ما دام العالم ينظر إلينا كنظرته الى العراقيين والسوريين واليمنيين والليبيين بصفة مذهبية وقبلية صرفة. والأنكى من ذلك ان هذه الازمة بذاتها فقدت كل وهج الاولويات الداخلية والخارجية بفعل “تقادم” ممل ويأس فاضح من “حراس” الدستور والسياسة والميثاق في بلد لا يزال قادراً على الادهاش ” الفاسد” بدليل انه مع كل هذا البلاء، تنفجر فضيحة مالية – قانونية قبل ايام في مجلس الوزراء.

لعل المسيحيين سيقيمون اليوم صلاة البخور على المغيّب رئيس الجمهورية على أمل ان تشفع الصلاة وحدها في استنخابه يوماً. ولكن حتى الصلاة نخشى ان يكون فات موعدها وتأثيرها. ذلك ان زحمة تطورات ضخمة تزحف من حولنا لن تبقي للأزمة الرئاسية الا الاستسلام للانتظار. ولعلها ايجابية يتيمة يمكن استخلاصها بعد هذه السنة، وهي ان يدرك محترفو قتل الوقت ان ما كان ممكناً بيعه بثمن باهظ امس سيصير مجانياً اليوم وغداً، وان تعميم الخسائر لا يعني توزيع المسؤوليات بتعميم اعمى. ومع ذلك فالأزمة الرئاسية فقدت ألقها منذ زمن بعيد، وما هو آت ومتدحرج لا يحتاج الى طول شرح وتفسير واجتهاد، وحسبنا هذا التهويل الذي يمارس علينا من داخل وخارج لندرك ان الكلام على فراغ الرئاسة بات يشارف ان يصبح “ترفاً غير لائق”. ولماذا الاستهجان؟ ألم يعرف لبنان اربع تجارب “فراغية” منذ الاستقلال؟ ولماذا سيغص العالم بالرابعة، والآن تحديداً؟ ألم نعاين “الأرق الدولي” على مسيحيي الشرق وأين صارت اقليات العرب لنستخلص العبر؟ لماذا إذاً المضي في هذا الوهم؟ ومن قال ان كرسي بعبدا من السحر الهائل او من القدرة الفائقة على إشعال الحنين بحيث سترغم العالم على ملء شغورها لمجرد ان خصّصنا يوماً كربلائيا للبكاء على الحكم الضائع؟ ساسة لبنان عند العالم زعماء قبائل، وكفى.